مداد القلم- الشرق
الاثنين 9 يناير 2012
إذا كانت الدول العربية قد عاشت عام 2011 ربيعا عربيا سياسيا ، فانني اتنبأ ان تعيش مؤسسات قطر هذا العام 2012 عام الثورة الإدارية .
فقد عشنا في قطر ردحا من العمرالوظيفي رأى الكثيرون منا فيه في عدد غير قليل من الأجهزة والمؤسسات الباطل حقا والحق باطلا ، اعني ما يعنيه سعادة عبدالله بن حمد العطية تماما في حواره مع الاستاذ جابر الحرمي رئيس تحرير الشرق يوم الثلاثاء 3 يناير الجاري:
(يجب ألا يشعر الناس بأن الرقابة التي نقودها " عدوة " لهم)
بل هي جزء داعم للمؤسسات والهيئات وشركات النفع والمساهمة العامة.)
ليست هيئات الرقابة والشفافية فقط يا سعادة الوزير من تنعت بانها عدوة بل حتى الاوفياء من ابناء البلد الذين يعملون بضمير واخلاص ويرفعون تقارير الفساد والافساد ويراقبون الله والضمير في عملهم ادرجوهم بمن يغرد خارج السرب، بل وحسبوهم في عداد الأعداء ، لا تسألنا اعداء من ؟ فأنتم أبخص.
فمحاربو الفساد باتوا يحاربون ويطاردون في كل بقعة حتى استشرى مفهوم إداري خانع وفاشل ونذل ايضا عنوانه "خلك جنب الحيط" او "لا اسمع.. لا ارى ...لا اتكلم" لمن يريد السلامة الوظيفية على الأقل حتى لا يزحزح من مكانه أو يضر في راتبه وترقياته ، اما من يريد تحقيق النفوذ والسطوة والوصول والمال والجاه من أمثال اولئك المتسلقين فلا اقصر من طريق المشاركة في تقسيم الكعكة البوليسية إلا من رحم الله.
نقولها صراحة : لقد تأخرتم ، بل تأخر وجود هذه الهيئة ولكننا لسنا سلبيين لنيأس ، لآننا نرى أن نصف الكأس ممتللأ وليس فارغا ، ولن نقف على اطلال عتبات الماضي المهترئة اذا كنا نسعى قدما لاصلاح الحاضر والمستقبل ما دام بطريقة مؤسسية ومظلة مباشرة.
وفي الوقت ذاته نتمنى ان يكون من كٌلّف الأمانة وعرفناه بلقب " الوزير النزيه" عند وعده كما عودنا ليفتك بطريقته التي وصفها بغير البوليسيية بتلك الطرق اللصوصية التي يتعامل بها الكثيرون او بالاحرى المخابراتيه لتكون الهيئة كما شدد في قوله :
("نعم ، سنكون سيفا مسلطا على الفساد والمنحرفين والمخالفين، ولن نمارس نشاطنا بطريقة بوليسية ولن نجامل احدا وسنكون عادلين.")
" لا تخاف ولا تبوق "..
مثل شعبي اختصر به الوزير الشفافية جملة وتفصيلا فلا مكان حسب قوله "للخوافين ولا البواقين" لأن جلّ معاناة الفساد المالي والاداري منهم ، ولكن كما قلتم: " بوابة الفساد المالي هي الفساد الاداري" ، والسائد عفوا يا قطر "بوق ولا تخاف" دون ان نطبق منهج "من أين لك هذا؟" على الكبير والصغير خصوصا وان الكثيرين يتعاملون مع المؤسسات على انها متجرهم أو بالعامية "دكّانهم"، يورد له ما ومن يشاء ويخرج منه ما ومن يشاء والحديث هنا عن القطريين وغير القطريين على حد سواء ، اما من يقوم على امر الدكّان من موظفين فيتعامل مع صاحب الحلال المزعوم " المعزّب" وفقا لمذهب الخوف وعذرا هو ليس خوفا بقدر ما هو مذهب عبدالله بن ابي بن سلول "وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئوُنَ، اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) البقرة 14 و15سكوت عن الحق للمصلحة الفردية لا الوطنية، أو تواطؤ او خيانة للأمانة .
اما من "صدقوا ما عاهدوا الله عليه" فليس لهم مكان إلا " الترميق" او محلك سر في كل سلالم الوظيفة...
حدد القرار الأميري بأن الهيئة مسؤولة عن التحري عن أسباب القصور في العمل والإنتاج والمخالفات الإدارية والمالية والفنية ونصت المادة الثامنة والرابعة عشرة على وجوب مد الجهات الخاضعة لرقابة الهيئة بأي معلومات أو بيانات أو دراسات تطلب منها والإضلاع على البيانات والمعلومات مهما كانت درجة سريتها مع مراعاة القواعد القانونية للكشف على الحسابات بالبنوك والمؤسسات المالية والرقابة والتحري بالوسائل الفنية والمهنية المختلفة واستدعاء من يرى سماع أقوالهم وطلب وقف أو إبعاد الموظف مؤقتا عن العمل أو الوظيفة إلى جانب طلب معاقبة الموظف تأديبيا إذا أخفى بيانات عن عضو الهيئة أو امتنع عن تقديمها أو رفض اطلاعه عليها..
نشكر الهيئة على تقدير قيمة دور الافراد في المؤسسات فهو مهم لاولئك الذين غدوا نعاجا او انذالا فتجد الموظف غير القطري غالبا ً يسكت عن شهادة الحق لأنه يريد ضمان وظيفته في بلد بذل شقّ الانفس أو وساطة قريب من ذات المؤسسة ليصلها خصوصا وان قطر تمثل الحلم للجميع ولا ينكر احدنا ذلك فاننا نسمعها بآذاننا ونراها باعييننا ، اما القطري -الا من رحم الله- فغدا متسلقا يسعى للوظيفة وما ان يصل اليها حتى يصيبه داء السكوت عن الحق او داء النذالة أو نصيب الكعكة.
ولكن ليست تلك هي القضية فحسب، إذ ان الطامة الكبرى في أي جهاز إذا كان "رب البيت بالدف ضاربا" وخالف احدهم من شيمتهم الرقص ، فكيف ستصل موجبات تطبيق المادة ، 8، و 14 إذا كانت القنوات مسدودة الا امام الراقصين العابثين... حتما سيظل الفساد الا اذا اقتحمت الهيئة دهاليز الشبهات الادارية والمالية واستنظقت صدق شهادة من لا ييجيدون فنون الرقص لا الشرقي منه ولا الغربي.
ناهيك عن تقارير المخالفات التي قد تطلب "من فُوْقْ" فقط كذر رماد في العيون فتظل حبيسة الادراج عند كبيرالجهاز، او تُحسب لا على انها شكاوى مؤسسية بل ترصد ضدّ مؤتمنها فتعده مشاكسا وهي ليست بتظلمات شخصية بل تقارير وطنية وقضايا من صلب اختصاص الرقابة والشفافية مدعومة بالوثائق والاثباتات فبدلا من ان تٌرْفَع ، يٌرْفَعُ اصحابها الى مكان غيرمعلوم او يزهقون او يعضلون؟
مع الأمل في خضوع الجميع للمساءلة وضرورة الإدلاء بالمعلومات الحقيقية للإصلاح ومع تعهد الهيئة بتحويل ملفات القضايا إلى النيابة العامة كونها جهة رقابية وليست قضائية.. يحدونا الأمل ألا تعود امانات الدولة وحقوقها وحقوق الأمناء بخفي حنين من جراء طول مدة التقاضي كالعادة وتنسى في دهاليز القضاء السلحفائي.
وأخيرا كيف ستكون الصحافة عين الهيئة في ظل سياسة سد الابواب والقنوات والتكميم والتعتيم التي تتتبعهاالمؤسسات والمعلومة هي زاد الصحفي . علما بان العين الوحيدة التي يجب ان تعلو على الحاجب هي عين الصحافة.
مع عام جديد نتمنى ألا يدور الفساد بأي أنواعه ومصادره في حلقة مفرغة وألا تظل مؤسساتنا الرقابية كسابقاتها مجرد ظاهرة كلامية.