الخميس، 14 يونيو 2012

مُحارَبَة الفَسَاد واجبٌ وطنيٌ

مداد القلم
الاثنين  5/12/2011
 الشرق
 
التاريخ 29 نوفمبر 2011
.....   أصدر صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني القرار الأميري رقم "75" لسنة 2011 بإنشاء هيئة الرقابة الإدارية والشفافية بحيث تكون لها شخصية معنوية تتبع الأمير مباشرة. وتهدف إلى الرقابة والشفافية ونزاهة الوظيفة العامة، ومكافحة الفساد بكافة صوره وأشكاله.
التاريخ 1 ديسمبر 2011
 ....  صدر تقرير  منظمة الشفافية العالمية لعام «2011»، واحتلّت دولة قطر المركز الأول عربيا والثاني والعشرين  دوليا، في مؤشر «مدركات الفساد» ، الذي  غطى «183» دولة.
الفساد بالتأكيد موجود في أي مؤسسة في أي دولة كانت ، ولكن صدور القرار مؤخرا بإنشاء هيئة الرقابة يؤكد ان حكومة دولة قطر لن تعتمد فقط على التقارير العامة المؤشرات للاطمئنان للوضع الراهن دون تحرك داخلي خصوصا وإنها وضعت هدفا من اهدافها التنسيق والتعاون مع لجنة النزاهة والشفافية لتحقيق أعلى المؤشرات، وليس ذلك فحسب بل احترمت في موادها قبل النص على هذا الهدف على هدف حق الأفراد في البحث في الشكاوى المقدمة منهم عن أية مخالفات إدارية ومالية محليا مما يعزز المسؤولية الفردية والوطنية ويعيد ثقة المواطن في أهمية صوته في هذا الموضوع بالذات والتي لطالما افتقدت.
 وكم أسعدنا قرار سمو الأمير،وكنا قد خضنا في مقالات سلفت في تقارير مكافحة الفساد  منتقدين معايير التقارير والوضع الراهن في قطر، ولعله من قبيل المصادفة إنني كنت قد أعددت هذا المقال في محاربة الفساد سلفا قبل صدور هذا القرار، وقد فوجئت بهذا القرار السعيد الذي أوجب عليّ قسرا ن أعيد صياغة مقالي لنشره اليوم وفقا للمستجدات.
ولن نمجد البطولة الشفافّة لقطر فرغم انها قد حافظت على صدارة ترتيب الدول العربية في هذا المؤشر،ورغم التقدم المحرز المتواتر لها في تقارير مكافحة الفساد الدولية إلا انه مستشرِ في عدد من مؤسساتنا الا ما رحم الله ، ولا شك بأن عددا ليس بقليل من المفسدين لا زالوا مستأسدين دون رادع، و قد تراجعت تقارير التدقيق أو تعطلت تقارير لجانها عذراً او نذراً او قسرا، دون ان تكون حتى لمكاتب التدقيق السنوي الخارجي المحايد أي نتيجة على المحصلة العامة لكشف الفساد الداخلي خصوصا وان الفساد في بعض المؤسسات يكمن في كثير من الأحيان في أهل بيتها وأهل الحل والعقد فيها أو في يد البعض القليل ممن ينطبق عليه المثل "حاميها ...  حراميها"
 ودون ان يؤدي جهاز الرقابة الرئيس في الدولة دوره المنوط به على الوجه الأكمل ، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن دوره في كشف الفساد في زمن مضى ؟ ودوره المرتقب في الزمن القادم خصوصا مع قرار إنشاء هيئة جديدة للرقابة ، فهل ستحل هذه الهيئة الجديدة محل ديوان المحاسبة في الدولة وهل ستنتزع اختصاصاته؟ أم جاءت لتقويّ دورا قد ضعف أو افتقده في الساحة ؟ أم هي مقدمة للإحلال والإبدال؟
 لآ شك أن محاربة الفساد واجب وطني بل ومكتسب شعبي  أيضا لان الفساد بشقيه المالي والإداري تعطيل للدستور خصوصا وإننا في تاريخ مِهَني بَرقي في قطر تم فيه تعطيل عدد من المؤسسات والأجهزة للقوانين وتمييع اللوائح من قبل أشخاص يمثلون السلطة والسطوة ولنفوذ أو من خلال أوجه متعددة من الرشوة ، الاختلاس، سوء استخدام المال العام، الابتزاز الإداري، المحسوبية والمصالح المشتركة ، تغليب  المصالح الفردية علي المصالح الوطنية في المشروعات.
ليسمح لي القارئ ان اسطر تساؤلاتي السالفة التي تنتظر من الهيئة معالجتها حاليا وبأثر رجعي أيضا فيجب ألا يَجُبُّ القرار الجديد ما قبله من فساد .
فمن سيفتح ملفات الوطن ليكتشف وجود موظفين وهميين  ينتعمون بافتراش الوسائد في البيوت دون عمل يذكر ولكن بقدرة قادر لهم رقم وظيفي لا زال بقرة حلوبا يدر عليهم راتبا شهريا دون وجه حق  وكأنهم على رأس عملهم .  المصيبة أن التنفيع والتلاعب يقع من قطريين أيضا  يعتد بهم الذمة والضمير والأمانة الإلهية والوطنية.
من سيكشف عن موظفين يعلمون رسميا في مؤسسة واحدة وتصرف لهم رواتب من مؤسستين مستقلتين في ذات الوقت بقدرة قادر ؟
من ليكتشف أولئك الذين تلاعبوا برواتب الموظفين وأجورهم مع البنوك من قطريين وغير قطريين فانتقصوها او أوقفوها دون وجه حق، بتعطيل لقوانين وأنظمة ولوائح العمل ودستور الدولة دون رادع؟
من ليكتشف أولئك المتفردين الذين تقلدوا توقيعا وحيدا للمعاملات المالية نيابة عن مؤسساتهم في مخالفة ذريعة للقانون ولوائح سير العمل وأنظمته المتعارف عليها دوليا  في إدارة مصروفات وموازنة المؤسسات "المال العام" . وكان المؤسسة الحكومية "بزنس خاص " أو عفوا  "بقالة" أو "دكان"
من سيفتح ملفات الوطن ليكتشف مسارات المناقصات من منبعها الى مصبها وأسماء المنتفعين وعلاقاتهم ببعضهم أو بكعكتهم؟ من سيفتح ملفات الوطن ليرى من يستمر في موقعه رغم شهرته في تسيير الفاسد والذود عن حياض المنفعة الخاصة له ولمن حوله ؟من سيحاسب الاثنين : المسؤولين المقصرين،  والمسؤولين الخرس "الشيطان" الساكت عن الحق .
من يحاسب أولئك الذين يُقصُون الكفاءات والمنتجين من أبناء الوطن تغليبا لمصالحهم الشخصية والموالين لهم؟
نتطلع لهذه الهيئة لرد الأمور إلى نصابها الصحيح ولدفع العمل وإنتاجيته ومحاسبة المقصرين كما نص القرار في أهدافها  على البحث والتحري عن أسباب القصور في العمل والإنتاج ،وعن عيوب النظم الإدارية والفنية والمالية. ، متابعة تنفيذ القوانين والتأكد من أن القرارات واللوائح والأنظمة السارية وافيه لتحقيق الغرض منها،
 الكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والفنية، كشف الجرائم الجنائية التي تستهدف المساس بسلامة بالوظيفة أو المساس بالمال العام. بحث الشكاوى التي يقدمها الأفراد عن مخالفة القوانين أو الإهمال في أداء واجبات الوظيفة أو العمل، ومقترحاتهم لتحسين الخدمات والعمل، مد الجهات الخاضعة للهيئة بأي بيانات تطلب منها، معاونة الجهات الخاضعة للهيئة في التحري عن المرشحين لشغل الوظائف بها، بناءً على طلب هذه الجهات،البحث والتحري عن الشكاوى المتعلقة باستغلال الموظفين وظائفهم وإساءة استغلال النفوذ.
 القرار شدّدّ على مسؤولية  الفرد حيث لكل الحق في تقديم الشكاوى حول وقائع الفساد في مؤسسته ووضع المقترحات، فللجميع صوت مسموع وهذه بشرى خير لدولة الشورى المنتخب ، فالمال مال عام وإدارة دفة الوطن إدارة  دستورية وليست همجية او شريعة غاب ، فيجب الا يخشى فيها احد في الله لومة لائم.
القرار الأميري وضع من ضمن اهداف الهيئة بحث ودراسة ما تنشره الصحافة ووسائل الإعلام، من شكاوى أو تحقيقات تتناول نواحي الإهمال أو القصور أو سوء الإدارة أو الاستغلال، لذلك نتمنى أن تتطور صحافة دولة قطر وإعلامها  "التلفزيون البدائي والإذاعة القطرية " بأن تدفع بصحافة وريبورتاجات تقصى الحقائق والتحقيقات الاستقصائية بدورها قدما نحو ذلك دون خوف أو وجل، كما نتمنى أن ينظر لما يكتب الكتاب بعين الاعتبار وهم ليسوا فقط أهل رأي بل وموظفين أيضا في مصالح وطنية لهم أعين يرون بها ولهم آذان يسمعون بها ولهم قلوب يعقلون بها ، المهم في الإعلام المتطور والنزيه والمسؤول أيضا ألا نكتب ما نكتب ككتاب – وهو موقع شهادة حق- الا على ثقة ويقين ممّا في يدينا من حقائق وبراهين تدمغ الفساد والمفسدين نادى بها الله قبل القوانين البشرية.
وفي ذلك فإننا نعيد المطالبة بألا يَجُّبُّ وقت صدور هذا القرار ما قبله او ما قبلهما من فساد ،فلا بد من  وقوف الهيئة على كشف وتحري مسيرة عدد من المؤسسات في الدولة قد يكون حافلا بما يسمى في عرف النزاهة والشفافية "فساد مالي وإداري" أحبط  عملا واعدا وطابورا من  النزهاء، وعرقل نتاج التنمية البشرية والوطنية  .
القرار سيعيد ثقتنا في هيبة القانون وسطوته وفي إحياء الروح من جديد في بيئة صحية سليمة  مرتقبة للعمل والإنتاج ، ولعلّنا لا ننسى ان ننتهز هذه المناسبة  لنهنئ رئيسها وندعو الله أن ييسر له هذا التكليف الجسيم ونذكره أيضا بمقولته المشهورة في تاريخ قطر :"لا سوبرمان كبير فوق القانون"
وأخيرا :
نتمنى أن نكون جميعا عند مستوى طموح سمو الأمير الذي رسمه في أهداف هذه الهيئة تحت مظلته الواعدة والتي نتطلع إليها بعين الشغف والترقب ولساننا يقول بما يستبشر به العرب مثلا "يا بشرى هذا غلام"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق