الجمعة، 6 أبريل 2012

الأديان والانصهار الثقافي

*مجلة العاصمة
أغسطس- 2010

نحن أمم ولكن وحده ثقافية واحده ، نعم هذا ما يشعرنا به شهر رمضان العظيم ، الذي يضفي على الكون وحدة عالمية .
 هنا في الولايات المتحدة الأمريكية ونحن نمارس عباداتنا في هذا الشهر الفضيل  لا نلبث إلا أن نسمع ونحن في الأماكن العامة ) مبارك عليك) أو (رمضان كريم) ، إنها المشاركة الثقافية الواعية ،
 وبين ضيوفنا على المائدة الرمضانية  إخوان لنا من الديانة المسيحية أحبونا وأحببناهم ، شاركونا وشاركناهم ، سألونا هل نأتي للفطور قبل موعده لنحضر معكم الأذان ونصلي معكم صلاتكم الجماعية ؟
إنها الصلاة الروحانية التي تجمع الأمم على ثقافة واحدة وان اختلفت الأديان ، وتعد في ذاتها وسيلة للثاقف والتقارب بين الشعوب في الفكر والممارسات التي تسلمنا إلى ما هية الصيام ليس في الإسلام فحسب بل وطبيعة الصيام في الديانات الأخرى وندخل في تفاصيل ثقافة تنور عقولنا..
أينما أكون في نهار رمضان في الغربة ، احمل في يدي مصحفا صغيرا وانأ بين امة متعددة الديانات لأجد المصحف محط أنظار وتسأل سائله ، أنت تقرئين القران الكريم أليس كذلك؟ قلت : نعم إنها عبادة في عبادة أثناء الشهر الفضيل ، فتقول السائلة : انا مسيحية ولكنني اعرف انه الشهر المقدس لديكم واعرف أن القران هو الكتاب المقدس ولكنني لأول مرة في حياتي أرى مصحفا بهذا الحجم الصغير ؟ قلت: و هناك اصغر منه أيضا سهل لنا حمله وقراءته آناء الليل وإطراف النهار ، فضلا عن التحول التكنولوجي الذي حوله إلى مادة صوتية ومقرئوه على اصغر التقنيات المحمولة مثل (الهاتف المحمول) وأجهزة الآي بود.
ويسأل من حولنا : هل لديكم ترجمة للقرآن الكريم ككتاب؟ نعم لدينا وتلك هي المناسبة الكبرى لمعجزة الإسلام التي نزلت في ليلة القدر وعندها ندخل في تفاصيل الثقافة وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. وندخل في نقاش جميل، والديانات مصدر خصب لثقافة خالدة لا تنتهي عبر العصور بل حضارة عريقة خلدت عبر التاريخ.
إن عبق استقبال شهر رمضان المبارك  يعيد الذاكرة إلى تحول هذه المناسبة الدينية مثلها مثل غيرها من المناسبات الإسلامية إلى ظواهر ثقافية إضافة إلى كونها ممارسات دينية ، حيث تعد أكثر الثقافات استيعابا من قبل المجتمعات والشعوب الأخرى ، مثل الحج وصيام رمضان وهما أركان أساسية من أركان الدين الإسلامي، وهاتان المناسبتان العظيمتان يرتبطان ارتباطا وثيقا بعيدين إسلاميين يشكل احدهما يوم الجائزة وهو عيد الفطر المبارك أما الآخر فيشكل عيد الأضحى الذي يمثل العيد الذي تقدم فيه الأضحية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بفداء الكبش عن  النبي إسماعيل ابن إبراهيم  رضي الله عنهما.
ورغم اختلاف بعض التفاسير المرتبطة بالديانات المختلفة كاختلاف التفسير في المفتدى عنه بين الديانتين الإسلامية واليهودية بين الأنبياء إسحاق وإسماعيل ابني النبي إبراهيم  ، إلا إن هذه المناسبات حتى في ظل اشتراك أو اختلاط التفسير الديني لها تخلط ترابطا حضاريا هو ذات الترابط الذي تمتد فيه الديانات السماوية إلى جذور واحدة .
وتعزز تناول قضايا ثقافية قد تكون في ظاهرها جدلية بين الديانات ، إلا أن الحقيقة العامة إن تلك المناسبات تعد وعيا امميا لا تستشعره في امتداد المعرفة بين الشرق والغرب والأمم المختلفة بقدر ما تستشعره في المشاركة الأممية للمجتمعات بعضهم البعض في هذه المناسبات خصوصا في تلك الدول التي يعيش فيها أطياف مختلفة من التركيبة السكانية بأعراقها ودياناتها المختلفة ، فضلا عن الأقليات السكانية في كل قطر ، والمهاجرين في الدول المختلفة، تلتمسها بداية  في المبادرة بالتهنئة برمضان من قبل غير المسلمين فضلا عن احتفائهم بمشاركة المسلمين في الإفطار والسحور بل وقراءة المصحف المترجم والكتب الدينية ، فضلا عن مشاركة المسلمين لغيرهم أيضا في التهنئة بأعيادهم حينما تجاوزت المناسبات مفهومها الضيق كممارسات دينية مختصرة على امة بعينها إلى مناسبة عامة عالمية ساعدت العولمة والنشر الالكتروني والثقافي على تعزيز هيمنتها الثقافية كظاهرة حتى أصبح رمضان على سبيل المثال هذا العام هو   (Trending Topic ) في أداة التواصل تويتير قبيل تحري هلال رمضان .
الديانات مصدر الامتداد الثقافي لأنها مرتبطة بالإيمان الواحد خصوصا في الديانات السماوية التي جاء محمد  (ص) في ختامها  قائلا: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"
رسالة ممتدة لأخلاق كونية سامية بثها الأنبياء وبعث (ص) الخاتم ليتمم المكارم التي تربت عليها البشرية على يد الأنبياء الذين خلقهم الله تعالي شعوبا وقبائل لتعارفوا،
والمشاركة الدينية هي قمة التعارف والتبادل الثقافي ، إنها بوتقة الانصهار والامتزاج الثقافي والإشعاع الحضاري .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق