الجمعة، 6 أبريل 2012

دوحــــــــــــة الثقـــــــافــــة

*مجلة عاصمة الثقافة
 يناير 2010

أتختلف دوحة الثقافة عن دوحة قطر؟
لأن اللغة كما تعلمون هي الأداة الرئيسة في كل ثقافة إذا أنها وعاء المعرفة فلقد طالعتنا لغتنا العربية التي نحتفي بعاصمة ثقافتها في قطر هذا العام  بفقه عظيم علمتنا فيه معاجمها الجمة أصول الكلمات والتراكيب واشتقاقاتها ، فتعلمنا كيف أن كلمة الثقافة مأخوذة  من ثقَّف الشيء  تثقيفاً أي :  سوَّاه، وهي تعني  تثقيف الشجر أي تهذيبه،  تثقيف الرمح، أي تقويمه.  كما تعني ثَقِفَ الكلام: حذقه وفهمه.ولم تكن العربية وحدها بل جاءت اللغات الأخرى ليأتي مصطلح culture [ثقافة] بالفرنسية من كلمة مشتقة من فعل colere اللاتيني الذي يعني، في الآن نفسه، "زرع" و"كرَّم". المعنى الأول لكلمة "ثقافة" بالإنجليزية أيضا  culture هو "زراعة" agri-culture: والمقصود هو زرعُ الأرض لإنتاج نباتات.
ولعلنا لا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن اللغات أبدعت في معانيها إذا أن الثقافة زراعة خصبة ونتاج تحتاج لحصادها إلى تمازج وتهذيب وتثقيف.
والنتاج الخصب في أي حصاد رهن بعوامل عدة،  لذلك فإن المتمعن سيجد كيف واصلت اللغة إبداعها في الربط القرآني البارع في قوله تعالى:
"والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا"
إذ أن البلد الطيب تطيب مخرجاته في كل مناشط الحياة سواء كانت الفكرية أو الثقافية أو السياسية وغيرها.
ولا ضير على "الدوحة" فقد جاء فقه اللغة ليكمل هذا الإبداع في معاني عظيمة توجت معني العاصمة الخامسة عشرة للثقافة العربية لتكون هي "الدوحة" قلبا ومعنى.
فالدوحة اليوم وهي تحتضن ليست ذلك الموقع الجغرافي الذي يشكل بقعة من وطن عربي رحب مرت بعد سلسلة متتالية من العواصم،  إنها "الدوحة" فضلا عن الموقع، من استحقت، ما عناها به المعجم عندما عرفها ب:  الشجرة العظيمة المتشعبة ذات الفروع الممتدة.
وإذا كنا قد استهللنا بمعني الثقافة وكيف ربطتها المعاجم العربية واللاتينية في سلالاتها بالزراعة والنبات، فإن دوحة قطر قد اختزلت الثقافة ليس في نبت أو زرع تذروه الرياح بل في شجرة عظيمة ممتدة أصلها ثابت وتؤتي أكلها كل حين.
 "دوحة"  وارفة الظلال مزجت الإسهامات الفكرية البشرية بمختلف أقطابها ومشاربها لتعبر عما عنته حمدونة الأندلسية:
 حللنا دوحه ُفحنا علينا                   حنو المرضعات على الفطيم
ولأن الثقافة تعني الأخذ من كل علم بطرف فتلك هي" دوحة " الدوحة العاصمة  تشبعت جذورها ثقافة العرب وغيرها من الحضارات الممتزجة لتنتج فروعها الممتدة في كل مجالات الثقافة ولتعلن في عاصمتها أنها لن تقدم فنونا عربية فحسب بل ستكون ترجمة للعصور الذهبية في الفكر لتشكل في مضمونها تظاهرة ثقافية عالمية ، إذ أن قطر تؤمن أن الثقافة هي ذلك الكلُّ المركَّب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات. الكل الذي يختزل الوعي والمعرفة الإنسانية جلها في حركة من التأثر والتأثير لا تعرف الركود لأنها تؤمن أن وقوف الماء يفسده.
  ثقافة لا تتورع عن السياحة والحراك والنماء في تسامح واندماج عالمي متخذة ذلك ديدنها لتقدم للعالم كما جعلته في شعارها "الثقافة وطنا والدوحة عاصمة" لتحقق الرؤية التي عناها صاحب السمو أمير دولة قطر قائد المسيرة في أن تكون "الدوحة" عاصمة أبدية للثقافة.
ومن جعل الثقافة وطنا فإن الدوح بلا شك سيظل دوحا وعاصمة وظلالا وارفا للخصب الثقافي.
 أوليست الثقافة في اللغات ما يخرج نباتها، أو ليست الدوحة في المعجم  أعظم نباتها  .  
فأهلا بمن حل على الدوح من أقطاب الثقافة ومحبيها وروافدها الخصبة
خبر القائلين يا دوح في الظ     ***     ل بأن الهوى سقاك رجاله
  طابت "الدوحة" شجرة عظمية، وعاصمة ومستقرا ومقاما للجميع
    ولثقافة يخرج نباتها بإذن ربها.

                                                            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق