الجمعة، 6 أبريل 2012

ثـــــقافـــــة الحـــــــــبّ

*مجلة العاصمة
أبريل 2010 
أعترف أنني مجنونة بحبها ؟ هي قطر  ،
 ولست وحدي ... فحب الوطن هو تلك الخاصية المشتركة في الحب التي يشترك فيهات الغني والفقير ، الصغير والكبير ، إلى الدرجة التي كفر فيها بعض النقاد الشاعر عندما قال:
وطني لو شغلت بالخلد عنه         ***           نازعتني إليه في الخلد نفسي
خصوصا أولئك الذين يقيسون المعنى بحرفيته ولا يتجاوزونه إلى ما أبعد منه وهو الخيال. فالخيال هو بيت القصيد وهو لب الشعر في الأدب.
هذا الشاعر عاشق لوطنه ؟ ولا بد ان يعكس أعلى درجات الحب ، فيصور أنه حتى جنة الخلد لن تغنيه عن وطنه مجاوزة في البلاغة اللغوية ومبالغة فيها
خصوصا وان الشعر الخيالي في البلاغة العربية لا بد - في عرف النقاد-   أن يتسم بالكذب الذي اصبح رهنا للخيال فالنقاد القدماء  قالوا "أصدق الشعر أكذبه" ،
كما انتهى النقاد العالميين بعدهم إلى قاعدة "الفن للفن"، التي يعنون بها تجرد الفن للتعبير عما يراد نقله حتى لو تجرد من كل المعاني القيمية اذا كان الهدف هو إبراز هذا الفن،  لذلك ثار جدل عميق ما بين مؤيد ومعارض ممن أسمو الخيال إباحية الفن.
لكن المحبين  لن ينجحوا في شعرهم إلا بالمبالغة ، لذلك كان لا بد منهم أن يلونوا حبهم بالخيال الجانح حتى  يصل أقصى غايات التعبير خصوصا أمام حب  نقي خالص وهو حب الوطن ، ولن نخوض غمار أعظم حب شهده الشعر العربي في التوحد مع الذات الإلهية في الحب الإلهي  لدى رابعة العدوية وابن الفارض ، ولكننا نطرق حبا هو القاسم المشترك الأعظم بين البشرية جمعاء لا يرتبط بجغرافيا معينة ولا خطوط طول ولا دوائر عرض أو تضاريس، ولكنه هو الذي ينشأ في وجدان الإنسان له تضاريسه الخاصة  الدائمة وخارطته التي لا يتوه عنها لأنها مجسدة في ذاته كانعكاس المرآة، فهو محفور في القلب ، أصيل في الشعور والانتماء الذي يجري من الإنسان مجرى الدم، لذلك يرتبط بتلك العاطفة الشوق والحنين الأبدي خصوصا لأولئك الذين ذاقوا مرارة الغربة أو الاغتراب القسري عن أوطانهم ، حتى لو هاجروا وتجنسوا بغير جنسياتهم .
ولكن لننطلق نحو اثر الوطن والعواصم التي تسكن القلوب – على القلوب.
هل هناك عواصم حب وأخرى تنعت بغير ذلك؟
لا أظن ، لأن عاطفة الحب تنمو مع الوطن فيتشرب المرء به ، ولو اذكت عواصم طردا قسريا لأسباب أخرى، فلن يكون الوطن جغرافيا إلا وعاء للعودة مهما طال الاغتراب، ولكنه حقيقة هو ذلك الذي يعيش في ذاكرة الإنسان وقلبه مخترقا حدود الزمان والمكان، مُشكلاً وطنا داخل أوطان وإن تعددت.

ولكن:  هل تذكي بعض العواصم ثقافة الحب ؟ وتذكي غيرها غيره؟
 لا أعتقد والحديث له عدة محاور لأن الحب عاطفة قد تترعرع في أقسى البيئات والمواطن بل قد تجد نمائها اكبر في عز الأزمات والصراعات والحروب. لذلك عبر الشعراء في قصائدهم عن وطنهم عشقا له وأبدعوا في وصفه سواء  كان جنة خضراء أو صحراء قاحلة، صوروا حب الاحتراق والتيه في فيافيه.
فحب الوطن يغذيه العيش به ويذكيه البعد أيضا ، وتذكية أي أزمات أو  حروب أو صراعات أو تهديد  يمر به ، لذلك يهب كل منا لنجدة وطنه امام أي تهديد، بل يردد اسمه في كل محفل ، أولسنا نمثله ونعتز به في كل المناسبات، أوليس هو السؤال الذي يعقب أي سؤال عن اسمك ؟  بسؤالهم : من أي بلد أتيت؟.
الوطن هوية الإنسان وذاكرته ووجدانه وقلبه ، ولكن هل الحب ثقافة؟ وهل تخضع الأوطان لثقافة الحب ونظرياته المتعددة؟ أم إنه قاسم يشترك فيه الجميع كونه فطره ؟
وأخيرا ،
ما الشعور الذي طبعه احتضان كل وطن لعاصمة الثقافة على شعوبها؟
تلك الشجرة الدائحة  ترعرعت في عدد من العواصم وبلا شك كل اسم منها يشرف سمع قومه وبصرهم  ويدغدغ عواطفهم الجياشة تجاهه ويرسم ملامح الزهو والفخر بالإنجازات العظيمة له.
إن الاحتفاء باحتضان الوطن للعاصمة الثقافية والمشاركة الجمعية بها هو تعبير بليغ عن أقصى حالات الحب.
فمرحى للربع الثاني من فعاليات   "الدوحة" ...  عاصمة الحب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق