الجمعة، 6 أبريل 2012

"إن شاء الله" والصور النمطية

مجلة العاصمة               
مايو- 2010

"إن شــــــــــــــاء الـــلــــه"
قلتها ذات يوم أنا وزملائي من الأساتذة العرب  في حضور شخص أجنبي  نقابله للمرة الأولى  في مهمة عمل في الدوحة  ، وبنبرة الاستجابة العجلي لمضمون سؤاله أو طلبه أو دعوته  وبصوت فرح  تستشعر فيه قوة مخارج حروف الكلمة التي تعكس دون تردد تربية عربية إسلامية علمتنا أن كلمة إن شاء الله هي (انشا الله) بالعامية أي "حاضر استجبنا" و "نأمل بإذن الله"، ولكن فوجئت بمن يرانا للوهلة الأولى يدير رأسه ليسخر بلغته  الأم موشوشا لمن جاوره "انظر قالوا: إنشا الله" بالطبع لم أفهم ما قاله ، فقلت له عفوا هل تسألنا أمرا قال وبكل جرأة : لا ... بل أقول له : انظر.... لن يفعلوا لأنهم قالوا (إن شاء الله.)
بالتأكيد يسيئك هذا التفسير لا  لأن من أمامك يطعن في مصداقيتك ومن حولك بقدر ما يطعن في ثقافة دين وأمة وشعوب، فمصدر الاستياء هو تلك الصور النمطية الاعتباطية المكرسة عن العربي المنتمي إلى ثقافة إسلامية عريقة  خصوصا من يشوه ومن الوهلة الأولى بصنيعه هذا ثقافة أمة ، وعقيدة بنيت على احترام الآخر وفي الوقت ذاته تقدير واحترام خصوصياتها اللغوية ومضامين الإيمان بالقدر والقضاء الممتثلة فيها.

وفي كل ثقافة حتما هناك تعابير ومضامين ثقافية تختص بها ثقافة دون أخرى بما يطلق عليه "الخصوصيات الثقافية " والتي تقتضي من الآخر قبل وُلوجه إلى أي ثقافة أخرى أو هجرته المؤقته للعمل في ثقافة أخرى التثقف بها والتعايش معها واحترامها لا ازدرائها والتهكم بها على الملأ ، الأمر الذي يعكس بداية الجهل ومن ثم الغرور ومن ثم التعدي على حقوق الآخر، إذ أن الانتقال بين الشعوب لأي سبب من أسباب الهجرات يذكي نفعه والإفادة منه العلم وسعة الأفق وسعة الصدر أيضا لاحتواء الآخر في وعائه ، فالمكان ليس بقعة جغرافية بقدر ما هو قبل ذلك بقعة اجتماعية وتاريخية وثقافية  وبشرية اختزنت واختزلت عوامل عدة جديرة بالتقدير والاحترام .
ومن أقل الأمور التي يجب على المرء التثقف بها المصلحات أو المضامين اللغوية في كل ثقافة واحترام معانيها وجذورها الاجتماعية والتاريخية التي رسمت سياقها كحقيقة إما "لغوية عامة " أو "عرفية عامة" فكما تعلمون اللغات تنمي حقائق لغوية من خلال التاريخ ولحضارة والعرف  الخ.... ما يطرحه علم اللغويات مما أفاد به العالم اللغوي "نعوم تشومسكي " في الغرب،  أو المرحوم العالم العربي د "عبدالعزيز مطر ، طيب الله ثراه، في بحوث غنية حفلت بها المكتبات العربية لمن أراد الاستزادة من هذا البحر العميق.
بعض الكلمات مثل "إن شاء الله"  تعني في ثقافتها العربية الإسلامية ذات المضمون اللغوي الذي تعنيه كلمات أخرى و بذات القوة وفي ذات السياق السياق ولكن بأسلوب أكثر تأدبا استجابة على أي طلب أو سؤال،
وهي الكلمة  التي يربي عليها النشء وتعكس التلبية مع الاحترام والتقدير ، لذلك ربانا آباؤنا - ويربي كل منا ابناءه اليوم أيضا-  لا على ان يقول "حاضر" أو "نعم" أو ربما بالعامية "نزين" أ, حتى بالفرنجة "اوك"، فهذه الردود في دلالتها في الرد على الآباء تعتبر تقليلا لمكانتهم وانتقاصا من قدرهم واحترامهم ، لذلك تعلمنا منذ الصغر ألا نقول "حاضر" ولا "انزين" بل ينهرنا ويزجرنا الآباء على استخدامها ويحثونا  بقولهم قول "انشا الله" بنبرة قوية رصينة نترجمها حتما "نعم استجبت" .
الله سبحانه وتعالي قد رسم لنا مدلول الكلمة وأبعادها الإيمانية بالقضاء والقدر والتي لن يكون للإنسان يد فيها ذا ما تعطلت أو شلتها الظروف أو الأحداث أو الحوادث القسرية سواء كان ذلك في الثقافة الإسلامية أو الثقافة الغربية ، فالكون واحد ، والبشر تحكمهم ظروف قسرية أو قهرية أحيانا سواء كانوا في الشرق أو الغرب أو القطبين حتى لو جزم أحدهم  ب "حاضر" و "نعم" أو "اوك" أو  "داكور".
لذلك قال عز من قال " "ولا تقولن لشايء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله"
لذلك "انشا الله" تعني حتما "نحن فاعلون" وما فوق قدرتنا كأمة إسلامية يتجاوز الدلالة اللغوية التي يحاول البعض تنميطها في صورة سلبية ، فاللغة وعاء للحضارات ولكن صلب مادة الوعاء واحدة يحكمها جميعا ما يحكم الكون الذي قد يحجب أمرا جللا كرست له مئات "نعم وحاضر" وبكل اللغات.
فالحوار المتبادل واحترام الآخر يقتضي احتارم الخصوصيات الثقافية بما فيها الدلالت اللغوية لكي تنجح مساعي التحالف الأممي للحضارات والشعوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق