مجلة العاصمة
سبتمبر- 2010
هل تعيش الثقافة بمعزل عن الساحة السياسية ؟
الإجابة حتما بالنفي فالثقافة في يومنا هذا – وللأسف- غدت ضحية للأحداث السياسية التي تؤثر سلبيا على مسيرة الإبداع عندما تجعله رهينة للخلافات العربية خصوصا وإننا ننشد في عواصم الثقافة الوحدة العربية الواحدة لا لأن العواصم عربية فحسب تلتقي في احتفالات سنوية ، بل لأن مكونات الثقافة التي تجمعنا واحدة وهي جزء لا يتجزأ من أي قطر ينبغي ألا تشرذمها وتفرقها الأحداث والأزمات، فالواقع الثقافي العربي يتطلب التكامل المشترك بين الثقافة العربية الواحدة بتكاملية لا خصوصية محلية.
إن رهن المؤسسات الثقافية لتترعرع في أحضان الحوادث السياسية فيه خطورة على الثقافة وتضحية بأمنها واستقرارها وارتقائها، إذ قد تستجيب مؤسسات ثقافية رائدة لأنظمة وحكومات بدعوى التبعية السياسية حين إننا نعلم أن الثقافة تقع شؤونها وشجونها خارج نطاق التسييس ، وإن كان لا بد من تأثير السياسة بمكان فهو ذلك التأثير الإيجابي المثري لا المحبط ذلك الذي نسميه انعكاس أثر التراث والتاريخ والحاضر المشترك الذي تعايشه دول الوطن العربي قاطبة ،
فلا قيمة للأعمال الأدبية والفنية والتراثية ولا إبداع يسجل إذا لم ترصد تلك الأعمال الحركات والأحداث السياسية والتاريخية ومسيرتها وآثارها المباشرة وغير المباشرة على الحياة العامة والفن والأدب وسائر مكونات الثقافة ووسائلها وأدواتها، ولكن لا يعني ذلك أن تخنق سياسات الدول حرية الثقافة والتعبير والرأي بشتى فنونه أو تحيد وتنحاز لفن دون آخر أو قطر دون آخر ، فهذا لعمري ما يضيع القيمة العظمي التي أنشئت من أجلها عواصم الفكر والإبداع.
لذلك فإنه حري بالمؤسسات الثقافية والفكرية أن تستقل عن حضن الدول ورعايتها حتى لا تشوب معايير الحكم والالتقاء الفني والفكري شائبة الانحياز أو التطرف ، وحري بالحكومات أن تقدم لوزارات ومجالس الثقافة التي تخضع تحت مظلتها مساحة من السياحة والسباحة الفكرية ، سياحة تلغي فيها رسوم التأشيرات والجمارك والرقابة الصارمة التي تًخضع لها البضائع والأفراد ، سياحة تنزه الأدب عن تحمل تبعات الخلافات السياسية واستخدام الفنون ضريبة للمقايضة بين الدول والحكومات والطوائف والأعراق والحكام والرموز السياسية ، فالفن والثقافة يقعان ضمن عاصمة كونية اختارت أن تسبح في الفضاء الكوني يحلق فيها العمل الإبداعي في سماء عالية تتجاوز تأشيرات الدخول وتتعايش في قلوب وعقول الأمم لتشكل في النهاية ذلك الامتزاج المتكامل عالميا ليعيش عمل ٌفي عقولنا وذاكرتنا وقلوبنا سواء كان من إبداع الزمان الغابر أو الحاضر وليعيش كاتبٌ في مخيلتنا حيا وان مرت على دفن رفاته سنون عدة ، فالثقافة وطن عامر للأبد في خلد البشرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق