الجمعة، 6 أبريل 2012

البصمة الثقافية

*مجلة العاصمة
مارس- 2010
لكل عاصمة بصمتها الثقافية التي قد لا تجدها لا في المنارات الثقافية  المميزة لكل وطن ،  أو النقش المعماري أو التصاميم التراثية أو الشعبية بقدر ما تلمحها مقدما في شعوبها بالخصوصية المميزة التي تجعل لهم شكلا خاصا تلك هي الهوية وبصمتها الأولى هي اللغة.
لعلنا نطال عين الحقيقة إذا تهنا في بلاد المغرب العربي وكانت اللغة هي بوصلتنا الضالة او ضالتنا المنشودة ، خصوصا ان الفرق الطبيعي بين المغرب أو الأندلس أو فرنسا في الشكل او المظاهر الطبيعية التي حباها بها الخالق  ليست بذي شأن في الاختلافات في إقليم متقارب جغرافيا، بقدر ما يطلعك العامل الأهم عندما تحط رحالك في المقام الأول في مطارها قبل كل شيء ليصادفك أول  ترجمان وإدلاء حقيقي لتلك البصمة يفيدك بأنك في الدار البيضاء حتما المنتمية إلى العرق العربي لا  باريس.
تعددت الباريسات العربية ، وارتحلت بصمة العرب في كثير منها إلى صناعة باريس أخرى حتى أسبغت الثقافة عليها مسمى عاما هو وليد الانسلاخ الثقافي العربي  إلى الفرانكفونية، في خضم الفرنسة القسرية سلفا والطواعية الاختيارية لاحقا فتاهت معالم شعوب المليون شهيد وغيرهم ممن جاوروهم تحت طائلة التأثير الاستعماري الذي إن لم تطله الجغرافيا في نفوذها ، طالته اللغة واصبحت نائبته الأكثر نفوذا .
 وما يذهب على الفرنسة يذهب اليوم على عواصمنا الخليجية في الفرنجة أو الأمركة أو الأنجلونيه فتجدها مسميات نبيلة بدعوى التمدن والتحضر أو العولمة، وما الحضارة من فقدان البصمة بمكان ، وما قتل الهوية من قتل اللغة ببعيد لأنها قتل لإنسانية الإنسان في جغرافيته ومكانه وزمانه ، أو هي الاستعباد الجديد ، اوليست اللغة الأولى منعوتة عالميا بأنها لغة أم ، وويح للأم إذا ولدت لغيرها، إنها أكبر عقوبة وابنائها بين أحضانها.
في الخليج  ايضا وليس المغرب العربي فحسب ، تراجعت هويتنا لتعاني عواصمنا الاغتراب عن أول مكوناتها الثقافية وتبعتها الدول العربية الأخرى خصوصا بعدما تفنن الإنسان وهو آلة الثقافة ورمزها ومختزلها ومستودعها في التخلي عن بصمته لتفاجأ أنك أيضا لا تفرق ليس بين الدار البيضاء وباريس أو لندن بل وبين الدوحة أو المنامة ، خصوصا وانك لن يطالعك  ايفل ولن تحييك بج بن ولا مدام توسود قبل أن تطرق إذنك في مطاراتها لسان أقوامها لتدرك الفرق بين لندن  وباريس كونهم يمثلون ثقافات مختلفة ولغات تميز كل وطن عن الآخر ، أما  الدوحة ، والمنامة  فتحاذي زميلك ويحاذيك غيره لتشك سلفا أنك بين اثنين لا دوحة ولا منامة ولكن إما أن تكون في لندن أو واشنطن ، فالقوم قومنا ولكن البصمة ليست بصمتنا.

انسلخت اللغة فانسلخت بصمتنا فغدونا شعبا واحد أعجمي اللسان  ولكن حتى مع لهجاتنا أو عجمتنا فنحن أشكال وألوان، وستظل البصمة والهوية عاملا ينخر في ريادة عواصمنا وثباتها أما رياح الزحف لا القاري بل الثقافي حتى ذابت التجليات التي تميز امة عن أمة  فانطفأت منارة عظمية من منارات الثقافة ، لم تكن لتغنيها حتما احتفالات بعواصم أو معالم تراثية أو أغان فلكلوية ، تحولت فيها لغتها إلى برامج لتودع في معاجم او متاحف التاريخ .
الشاعر قال : ويجمعنا إذا اختلفت بلاد              بيان غير مختلف ونطق
والآخر يمجد أن:
              لسان الضاد يجمعنا            لقحطان وعدنان
فمن هم القحطانيون والعدنانيون أيها العرب ؟ أجزم أن الشاعر لو عاش إلى اليوم لغير رأيه ، بل وقوله وربما لسانه.
زوروا متاحف التاريخ العربي للتعرف على أشلاء متعددة وأوصال ممزقة فتت في عضد بصمة  كانت اجدر لتطبع خمس عشرة عاصمة خلت.
دامت بصمتنا شاهدا علينا ودمنا شهودا عليها.

                                     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق