مداد القلم/ الشرق
07 نوفمبر 2010
الأطفال عيونهم لا تكاد تفتح من شدة النعاس!!
لكن ما إن يصحوا حتى يتدفق النشاط في الجميع في نهار شتاء بهيج محفز تتمنى الأسرة أن يطول نهاره في قطر كطول نهار صيفه "الكئيب".
يذهب الأطفال للمدارس ويعودون بعد أذان العصر وتغيب الشمس فجأة وربما ربّ البيت أو حتى ربّته ما زالا في أعمالهما خلف عين الشمس لتباغت الأسرة في بلد مثل قطر لا يملك من برامج الليل سوى التجمع الروتيني "الرياضة المشي لمحبيها بالطبع" والعشاء والنوم، والخاسر الوحيد في نهار الشتاء هم البشر "محبو النهار ومرتادوه" حين يداهم الغروب النهار على عجالة دون أن يصل "النهاريون" ولا مرتادو البر والروض والربيع إلى مراميهم بعد عناء يوم عمل طويل ليجدوا أنفسهم أمام نشاط ليلي فقط يتركز على "شبة الضو" في الصيوان أو العنّة وسمر المساء بما تغدقه الإبل أو الماعز أو "الشوهات" من حليب يتم تسخينه على الحطب في اشتياق حميم لنيل الدفء من أحضان "الضو" أو ما إلى ذلك من برامج شتوية ليلية على عجالة، يأكل العمل نهارها ويطول ليلها على عاشقي البراري.
يبدأ في عدد من دول الجزء الشمالي من الكرة الأرضية هذا الوقت بين آخر يوم "أحد" في أكتوبر أو أول "أحد" في نوفمبر تغيير التوقيت إلى الشتوي.
وإذا كان نصف البريطانيين مكتئبون مع العودة إلى توقيت «غرينتش» مع انخفاض مستويات أشعة الشمس، ونصف المليون منهم يصابون بعارض «اختلال تغيّر الفصول» أو "الاكتئاب الشتوي المَرَضي" المعروف اختصارا بالأحرف اللاتينية SAD مع عودة عقارب الساعة إلى توقيت غرينتش، وفق الاستطلاع الأخير الذي كشف عنه الاثنين الماضي وتقرير الخبراء في مؤسسة «برايوري» المعنية بالصحة العقلية.
وربما مثلهم الأوربيون والأمريكيون كلما توغلت شمالا، فأعتقد أن نصف أو معظم القطريين يكتئبون من العكس، وهو مباغتة شمس الغروب السريعة لتقتل النهار القصير أصلا، خصوصا مع ما بدا معروفا لدينا من قيمة النهار في قوله تعالى:
(وجعلنا الليل لباسا. وجعلنا النهار معاشا)، ووفق ما شهد به العلامة ابن خلدون في دراسته عن تأثير الجو البارد إيجابيا على طبائع العمران والإنسان وعلى الطاقة والإنتاج وأهمية استغلاله، وما صدح به شعراء شبه الجزيرة القدماء في طول الليل وأرقه وتمني انجلائه، لتشرق شمس جديدة بأملها، والذين يجدر تحليل أبياتهم وشعرهم حول الليل في الدراسات الانثروبولوجية الحديثة.
◄ وفي الغرب...
بعد أن رقد كل من الأمريكي "بنجامين فرانكلين" والبريطاني "ويليام ويلت" رقدتهما الأبدية، أعلنت ألمانيا كأول بلد أتباع التوقيت الصيفي لأول مرة أثناء الحرب العالمية الأولى، وتبعتها بريطانيا بعد ذلك بقليل لإيجاد وسائل جديدة للحفاظ على الطاقة.
لا ندري وقتها إن كان قد ضاق على الأمريكي بنجامين فرانكلين قبره أو انشرح، وهو الذي لم يؤخذ بجدية عندما كان أول من طرح الفكرة التوقيت الصيفي في 1784، خصوصا وهو الذي أعمل فكره وهو يتجول في المدينة على حصانه بعد أن لاحظ أن الناس يغطون في نوم عميق بعد أكثر من ثلاث ساعات من طلوع الشمس، لم يصغ ِ له أحد وغطوا في سبات عميق.
وذاق البريطاني ويليام ويلت مرارة كأس الرفض بعده في بداية القرن الـ20 عندما طرح ذلك من جديد وروج له، ورغم تمرير مشروع قانون ناقشه البرلمان البريطاني في 1909 إلا انه مات "بخفي حنين" كما يقول العرب..
ولكن حقوق الملكية الفكرية والتاريخية حفظت الاسمين كأول شخصين سعوا لأهمية معادلة التوقيت الصيفي والشتوي المسمى بـ Daylight — Saving Time
والهدف من زيادة ساعة للتوقيت الرسمي هو تبكير أوقات العمل في ساعات النهار التي تزداد تدريجيا من بداية الربيع حتى ذروة الصيف، وتتقلص من هذا الموعد حتى ذروة الشتاء نظرا لميل محور دوران الكرة الأرضية بنسبة 23.4 درجة مقارنة بسطح مساره حول الشمس.
◄ وماذا عنا؟
لم نمتطِ حصان فرانكلين ولا حتى حصان طروادة لنجوب قطر الصغيرة مع شروق الشمس رغم انه حلم يراودنا، ولن ندعي علما ليس لنا ولكن أخالنا نحن أيضا بتوقيتنا الحالي في "زون" يجدر النظر فيه، بصفتنا بشر نفكر أننا نفقد في ظل هذا التوقيت ثمرة نهار منتج، نفكر في خسارتنا ساعات النهار في الشتاء وهو القصير أصلا، ربما ليس في رغبتنا في تأخير شتوي نصف سنوي لتوقيت ساعة مثل تأخير بلدان "غرينتش" والدول الغربية الشمالية في اختلاف مواقعهم، ولكن على العكس نريد تبكير وقت دولة قطر لساعة في الشتاء بتقديمها60 دقيقة حتى لو طلعنا في بكور أبكر مع إشراقة الشمس، فلا بد من استغلال فترات النور، أو الظلام حسب متطلبات قطرنا المعيشية والاقتصادية والزراعية والاجتماعية وغيرها، عن طريق الإضافة أو الطرح من التوقيت الأصلي المحدد حسب الموقع الجغرافي الصحيح.
خصوصا وإننا مع الحديث القائل "البركة في البكور" فضلا عن تزامن صحونا جميعا لصلاة الفجر التي يرتبط وقتها شتاء بوقت الصحو وما تكتسبه من دور أيضا في حفز الرجال والشباب على ارتياد المساجد والخروج منها مباشرة للسعي للعمل وطلب الرزق، لا العودة لنومة قصيرة تجر إلى أطول وتأخير عن مواعيد العمل تحت دفء البطانيات، تؤثر على الإنتاجية سلبا.
ومن ثم بهذا التغيير المبكر تتم العودة بعد يوم عمل منتج للتمتع بالاجتماع العائلي المحمود على الغداء، الذي يعالج مشكلة التفكك الأسري الذي بدأ في الظهور بشكل واضح، فضلا عن إيجاد وقت إما لقيلولة أو استرخاء أو الخروج في نشاط ممتع خصوصا وقطر بيئة برية تقع معظم أنشطتها الشتوية الترفيهية في البر والرياض والكثبان الرملية.
وما لضوء النهار أيضا من أهمية في إمكانية تقليص نسبة حوادث الطرق لدى الشباب مرتادي البر الذين يأتي معدل موتهم من الحوادث ثاني اكبر سبب للوفاة في دولة قطر، مع بحث ما في "الزون" أو النطاق الجغرافي من ميزات أخرى قد تعود على قطر وناتجها البشري والقومي والتنموي في العمل والطاقة بمختلف أشكالها المهنية والبشرية، وتقدير ساعات الترويح والنوم التي يحتاجها المرء بعد يوم عمل.
مثل هذه الأسباب فطنت لها الدول العظمي أيضا فأوصت الجمعية الملكية البريطانية لمنع الحوادث مرارا عديدة بالحفاظ على التوقيت الصيفي في الشتاء أيضا، أي عدم العودة إلى توقيت غرينتش الصحيح مع إضافة ساعة أخرى في الصيف، أي ساعتين إضافة إلى توقيت غرينتش، معللة ذلك بتخفيض نسبة حوادث السيارات والمرور للاستفادة من نور الشمس والحيلولة دون قيادة السيارات في الظلام..
لا بأس بأن نفيد من وقت الشتاء في بلداننا ،المعتدلة شتاء والحارة القاتلة صيفا، بحيث يعود توقيت الصيف إلى وقته السابق، والملاحظ أن كثيرا من البلدان العربية مثل المغرب ومصر وسوريا والعراق والأردن ولبنان وتونس لم تتبع التوقيت الصيفي الغربي كما هو، بل راعت تغييرات أخرى في التقدير حسب الظروف الزمنية، وكذلك عدد من الدول في ذات النطاق مثل إسرائيل، وإيران التي تتبع التقويم الفارسي. وقد تبعت بعضها في ذلك الفكرة في التغيير في كل من الاتحاد الأوروبي، روسيا، تركيا وأغلبية بلدان أوروبا الشرقية والقوقاز، الولايات المتحدة وكندا، بهدف استغلال فترات الشمس الطويلة حيث إن أنواع الطاقة المستخدمة على الأرض هي في واقع الأمر طاقة شمسية محوله إلى طاقة كهربائية أو طاقة رياح أو سواها من أنواع الطاقة، مع ما يؤدي ذلك إلى تلوث البيئة ورفع درجات الحرارة على الأرض.. لذا فإن تقديم الساعة يعني توفير في عمليات التمويل والإفادة المباشرة من طاقة الشمس بدون تحويل، وبالتالي تخفيف التلوث والتخفيف من ارتفاع الحرارة.
فرانكلين الأمريكي وهو ممتطٍ جواده ومستخسرٌ الساعات الثلاث في النوم بعد طلوع الشمس لم يسمع حتما مثلنا الشعبي القائل: "كم فات رقّاد الضحى من غنايم" الذي غرسه الآباء في أذهاننا منذ نعومة أظفارنا حتى درجنا عليه، نَعُمَ وقت "شيبان قطر" رحمهم الله وأطال في عمر من بقي منهم،
كل ما في أمر التغيير المنشود في شتاء نرتجي تقديم نهاره عكسهم، أنه يجب أن يكون تغييرا محمودا لا تقليدا لأي نطاق، خصوصا وأن دولة قطر قد مرت بمثل هذه التجربة في تغيير أوقات المدارس من شتوي إلى صيفي والعكس في السبعينيات أوالثمانينيات من القرن الماضي.. مع أهمية تقدير قيمة العمل في البكور أيضا في الصيف بإمكانية تقديم وقت العمل الميداني للعمالة ساعة، تقليلا من نسبة ضربات الشمس أو الوفاة الناتجة عنها التي تحدث عند تعامد الشمس وتوسطها كبد السماء في عز لهيب القيظ والهجير.
وقت قطر وساعتها الزمنية تحتاج إلى إعادة تقدير، فلنغنم زماننا بالعمل والتمتع بنهاره، ما دام التوقيت ليس سياسة دولية بل محلية تخضع لأسباب كل قطر وتقدر بمنافعها وميزاتها ومكاسبها من جميع الأبعاد التنموية والمهنية والإنسانية،
نتمنى أن يعرض هذا الموضوع على طاولة مجلس الوزراء الموقر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق