مداد القلم/ الشرق
18 ابريل 2010
«تعليمات من فوق»..أو «توجيهات»..
كلمة قد يسيء البعض استخدامها في محاولة منهم لتسيير الأمور وفقا لما يأتون به، أو تمرير أمر ما أو تعطيل غيره دون مراعاة للمخالفة التي قد يرتكبونها باسم (من هم فوق) في استغلال النفوذ أو السلطة أو مواقعهم الوظيفية وتغليبا للمصالح الخاصة على المصلحة العامة الوطنية في الأغلب.
ولعل الحديث قد يطول في تحديد ليس ماهية (فوق) أو كلمة (توجيهات).. فهاتان الكلمتان محددتا المعنى وواضحتا الدلالة كما تقول اللغة العربية، وحتى إذا أخذنا بهما من منحى إداري مؤسسي أو هرمي للسلطة، ولهما كل الاحترام والتقدير والامتثال لأن أي عمل يقتضي بالتأكيد التوجيه حوله وحول الرأي فيه من قبل جهة الاختصاص ممن هم "فوق" في أعلى الهرم الوظيفي أو السلطة بالتأكيد.
ولكن بيت القصيد ومحك التساؤل هو: كيف يجرؤ البعض على تمرير معاملاتهم وشؤونهم الخاصة أو أهدافهم أو لي الأمور عن حقائقها باستغلال هذه الكلمة بمجرد املاءات شفوية؟
....
لم يعد هذا الموضوع "تابو" سياسيا أو عملية يحظر طرقها في قطر تحت هاجس الخوف، بل إنه من أهم الموضوعات التي يقتضي التنوير بها وفضح الوصوليين وكل من يستخدم هذه الكلمة متذرعا بالسلطة، لكي لا يتم فرض البيروقراطية العقيمة في كل شيء حتى الصغائر، بل وفي الالتواء على النظم أو لوائح العمل بذرائع لم تصدر ممن هم فوق.
الكوميديا الاجتماعية السورية في مسلسل "توجيهات من فوق"
أبدعت في تصوير نماذج عربية بحته من الموضوع، وفي حلقة منها على سبيل المثال: أراد المدير تغيير باصات مهترئة، وبلهجة سورية قال (أي ما الباصات صار الها 30 سنة.. العمى بتكون خوخت وختيرت.. صار لازم نبدلها) لم يستطع والرد: (هاي بدا توجيهات من فوق) ثم اراد الغاء عقد موظف فاشل (يا سيدي..تحمل غلازته شوي... لأن هيك شغله بدا توجيهات من فوق) واخيرا يئس الرجل وخضع للأمر الواقع في تلقي التوجيه على كل صغيرة وكبيرة، وعندما قام مندوبون بزيارته احب ان يضيفهما فقال (كيف اهوتكم) قالوا: (لا ما بدنا قهوه....بدنا زهورات... احنا مرشحين).
احرج المدير واستأذن ليسأل عبر الهاتف: " احترامي ابو يامن، بدي استشيرك في مسألة خطيرة جدا، احنا هون جرت العادة في المؤسسة انا نضيف اهوا، بدي أسال: في توجيهات من فوق بتقول ان ممكن نضّيف زهورات بدل الأهوا؟؟"
القهوة سخرية في الكوميديا السورية تصور بيروقراطية اتخاذ القرارات إلا بعد الرجوع لمن فوق في كل صغيرة وكبيرة،
وإذا كانت كلمة توجيهات في الدراما التلفزيونية أو الواقعية في بعضها تشير إلى بيروقراطية بحته فيمن فوق، أو وضع صلاحيات صورية في الأعمال لأفراد دون أن يكون لهم يد أو مجال للتطبيق على أرض الواقع وكأنهم أشباح ظل.
فإن سوء الاستخدام لكلمة (توجيهات من فوق) يضر بشكل أكبر ليس في بيروقراطية من قبل أهل الحل والعقد، بل ممن يولون على أمر (فوق) من المستأمنين على المؤسسات في دنيا الوظائف اليوم أو أولئك المقربين أو البطانة، حين تأتي هذه الكلمة كتكتيك من قبل مستخدميها بمثابة الأفيون المخدر بغية إنجاز معاملات عاجلة لهم في الدولة أو تمرير مصالح شخصية، أو أجندات خاصة، أو لإسكات العمل أو من يعمل أو لتغيير مسار اتجاهات العمل أو تضليله أو بالأحرى لجرفه بعيدا عن الهدف.
ويأتي محك التجاوز في صورة غير مرئية لأن "توجيهات من فوق" كلمة لفظية سهلة يلوي بها مستخدمها اللسان ولكنه لا يجرؤ على ان يدلي بشيء مكتوب حولها لمن يوجهه، لأنها في كثير من الأحيان مفبركة فلو كتبت فإنها تدين كاتبها عند اكتشاف التضليل الإداري لأنه بها قد يستغل إما سلطته، او وجوده في مواقع صناع القرار، أو مواقع القيادة أو مواقع الثقة بكل فئاتها، ليتم استغلال الناس كمستخدمين ولو بمجرد رفع الهاتف عليهم باملاءات شفوية ليس وفقا لما تمليه الوظيفة وأهدافها وليس وفقا لما توجه به القيادة السديدة، ولكن وفقا لما يمليه أفراد لم تتعهد أمانة الموقع بقدر استخدام اسم الرموز وكبار الشخصيات لاستخدام الناس والموظفين وفقا لمصالحها الشخصية الاستخدام الأمثل، دون مراعاة لتعهد أمانة النقل والتوجيه، وأمانة الكلمة المنقولة ومهنية العمل، ومصلحة البلاد والعباد.
الوسطاء وفقا لها يصبحون معوقين للعمل وحاجزا بين الأفراد وغيرهم، والأكثر من ذلك أنها تحدث فوضى عملية وإدارية من قبلهم، لأن من فوق لم يوجه بما يضر المصلحة العامة أو يحيد بالعمل عن جادة الصواب، او يعرض الموظفين أنفسهم لطائلة التشيكك بسبب أولئك الوصوليين لأنهم القنوات الوحيدة بين فوق وتحت.
القضية ليست صغيرة، إذ قد تفسد برامج وإنجازات وعلاقات ومؤسسات وأجهزة ومستقبل أفراد ودولة أيضا.
القضية وجه من أوجه الفساد الإداري الذي لم يسلط الضوء عليه بعد بالشكل المطلوب، وهي ذات أهمية كبيرة لمعالجتها بنزاهة وشفافية لتحقيق المهنية الوظيفية بأخلاقياتها وتقديم المصلحة العامة على أي اعتبار آخر،
القضية أبعد من أن تظل فى دائرة السكوت، خصوصا وأن الدولة تنبهت لذلك مبكرا وكانت سباقة في التعميم لذي صدر في عام 2001 على جميع الوزارات والجهات الحكوميه بعدم استخدام تلك الجملة في الكتب، نظرا لما درجت عليه بعض تلك الجهات في ذكر عبارة:
" بناء على تعليمات أو توجيهات" في الكتب الصادرة عنها،، ولما كانت تلك الجهات غير مخوله في تبليغ ذلك حيث يعد ذلك اختصاصا أصيلا من شأن السلطات العليا بالدولة.وعليه ونظرا لاستشراء هذا الاستخدام اليوم على مستوى الأفراد، فإن هذا القرار يجب ألا يظل صوريا بل لا بد وأن يفعّل ليس على مستوى الجهات فحسب بل على مستوى الأفراد أيضا، وأن تكون له آلية تنفيذية على أرض الواقع ويقاس عليه في الالتزام بالقرارات الحساسة في مراكز المسؤولية الأخرى وتوجيهات العمل المهنية بحيث تكون بصورة خطية مكتوبة رسميا، مع وضع آلية للمساءلة أيضا لمن يسيء استخدامها أو استخدام موقعه الذي هو تكليف وليس تشريفا في سبيل خدمة المصلحة العامة بدولتنا الحبيبة قطر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق