الخميس، 15 نوفمبر 2012

كأس العالم ووحدة الشعوب

مداد القلم/الشرق  
13 يونيو 2010

ربما استوقفكم كما استوقفني إعلان من إعلانات يوم افتتاح كأس العالم في العروس التي نزلت بفستان الفرح وهي تشجع البرازيل لتجد العريس وحاشيته مشجعين لألمانيا، ثم يصاب العريس بالخيبة التي لم تلبث ان تتلاشى بابتسامة ندية بعد ان تكاتف اثنان (العروس وأمها) على الأقل لتشجيع البرازيل كمقابل للعريس وحاشيته.
إنه التزاوج والاتحاد والتكاتف عابر القارات الذي اختزله الإعلام والإعلان الجديد في (المفاهيم) والمتمثل هنا في تجسيد معنى في الزواج وهو أوثق رباط إنساني يجمع أطرافا في وحدة واحدة مهما اختلفت المشارب والاعتناقات والأطياف، ولا غرابة من أن تجد ثمرة هذا الزواج أطفالا مشجعين لأسبانيا أو ايطاليا. كما أبناؤكم اليوم من صلبكم وانتم وهم بين فريق وآخر ولون وآخر مختلفون ولكن متفقون في ذات البيت والبلد والجنسية.
إنها روح بطولات كرة القدم الرياضية الجميلة التي توحد ولا تفرق، وتذوب فيها الاختلافات في تسامح عجيب.

"توحد الرياضة ما تفرقه السياسة"
مقولة تعد أسطورة خالدة في عرف التفاعل والاندماج الكوني بين الشعوب، ولعلنا نلاحظ أن شرارة الصراعات السياسية أو الدينية أو الإثنية أو العرقية سواء بين دول أو بين أعراق في ذات الدول تتلاشى وتنزوي الانتماءات المتعددة عندما تشرئب الأعين إلى تحقيق هدف واحد في مجال الرياضة، ناهيك عن أن يكون حلم كل دولة تأهلت هو أن تحصل على لقب فريق العالم والحصول على كأسه، في جو تسوده الروح الرياضية التي غدت تعني "الروح الرياضية" لغويا علما على معنى الروح المرنة المتسامحة المحبة للآخر حتى حين تهزم أو تتأخر عن الريادة في مونديال لتهنئ بهذه الروح الفريق الفائز حتى لو كانت هي الخاسرة.
للرياضة بلا شك دورها الكبير في تدعيم وتعزيز التفاهم والحوار الثقافي بين الشعوب بل ومناهضة العنصرية، وما يذكي أهميتها هو تعزيزها بأهداف إنسانية عالمية مثل "حملة هدف واحد... ون جـــــــــــــــول" لدعم تعليم الأطفال المحرومين في القارة السوداء.
هذا وقد حفلت الاحتفالية الرياضية بعدد كبير من الإعلانات التجارية التي أنتجت بصبغة عالمية مفاهيمية حتى لو كانت لمنتج تجاري أو فريق رياضي بعينه أو فكرة أو مشروع، وتجسد الإعلانات المونديالية العالمية إضافة إلى العروض والأغاني الممتزجة الكلمات واللغات والموسيقى والأداء، فضلا عن المونديال الدولي ذاته مسرحا حيا لتداخل الثقافات واندماجها، في هواية وحرفة قد تعجز عنها تحالفات ومؤتمرات ولقاءات واتفاقيات دولية.
ولماذا الرياضة؟ لأنها اهتمام مشترك عام والهواية المحببة لكل الأعمار التي تلتقي — وقلما يحدث في عالم المشاهدة اليوم — على هدف واحد بل تحبذ في حدثها المشاهدة الجماعية سواء في الأسرة الواحدة أو مع جماعات الرفاق، أو في الساحات العامة التي توفرها الكثير من الدول إما مجانا، أو في المقاهي التي تتقاضى على بثها الجماعي إما رسوما معقولة أو جائرة يبالغ أصحاب المقاهي فيها لأنهم يجدون أمامهم من يدفع في سبيل التمتع بالجو العام الخارجي الذي تضفيه الرياضة على حياة الأفراد حتى لو تحملوا في سبيل ذلك فوق ما يطيقون خصوصا في مجال كرة القدم التي يوازي شأنها شأن السياسة الدولية.
ويأتي على الجانب الآخر ما أو من يريد أن يقوض الروح الرياضية المطلوبة عندما يزج بالرياضة في شؤون أخرى غير ذات صلة، ويتضح ذلك جليا عندما يأتي الوضع على "حيازة الحقوق الحصرية" التي تتنافس فيها شركات البث تنافسا يجب ان يكون حميدا، ليقلبه البعض إلى حرب فضائية تقوض ما تبنيه الرياضة وروحها على الأرض في محفلها، وما التلاعب والقرصنة التي حدثت على حصرية البث على الجزيرة الرياضية يوم الافتتاح إلا دليل على الشأن الكبير الذي تحظى به الكرة في العالم، وحقد البعض لا على النجاح في الحيازة الحصرية أو الدخل أو السمعة الدولية التي يجنيها مالك الحقوق الحصرية فحسب بل على تعمد واضح في زج شؤون الرياضة بالسياسة والريادة الإعلامية التي حققت فيها دولة قطر سبقا فريدا.
ولعل عامل الحقد في القرصنة وإرادة استهداف البث وإضعاف موقف المالك الحصري لم يكن لتتمكن منه الجهة الفاعلة التي أخطأت التقدير في أثر ذلك عكسيا على زيادة وريادة سمعة الجزيرة وزيادة شعبيتها وسوقها الإعلامي على الصعيد العالمي.
ولا شك أن هذا يعيدنا إلى أثر الرياضة على وحدة الشعوب حتى مع تحين البعض ذلك فرصة للقرصنة الإعلامية والسياسية إلا إن تجلى الاتحاد الجماهيري وبرز بشكل أكبر في موقف الشعوب والجماهير لا مع روح الرياضة السمحة الفرحة التي عبقت نفوسنا جميعا ذات يوم الافتتاح فحسب بل تجلت أيضا في الوقفة النبيلة مع قناة أو مالك حصري قلما تحدث مثلما وجدناها يوم الأمس القريب في تكاتف كل المشاركين والمشجعين مع الجزيرة اثر القطع للإرسال الذي تعرضت له في الافتتاح.
ولن تنجح شعبية تصنع كتلك التي تصنعها الرياضة خصوصا كرة القدم لأنها أممية وليست أمية أو ملكية أو جمهورية.
إنها الرياضة التي توحد ما تفرقه السياسة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق