مداد القلم/ الشرق
27 يونيو 2010
محمود اليوم من يقال عنه "والله فلان جنب الحيط" حطه تلقاه، خصوصاً في مقام الشأن العام أو العمل، المعنى ليس المسالمة فحسب بل المجاملة أو المداهنة أيضا.
ومثلها بالعربي الفصيح: قول العرب "سكن تسلم"
قاعدة جليلة الخدمة عظيمة الفائدة لكل من يدلي بخطاب جماهيري أو يذيع على الهواء وهو غير ضليع بنحو وصرف اللغة العربية ومدلولاتها ومكنوناتها.
ولكنك عندما تصدر خبرا أو تقريرا فتقول بالعربية ضرب زيْدْ عَمْرْ و، بتسكين كل من زيد وعمرو،
فإنك لا تعلم من هو الضارب ومن هو المضروب، من هو الفاعل ومن هو المفعول به؟
خصوصا أن الفاعل والمفعول في العربية قد يتأخران او يتقدمان، مثل قوله تعالى: "وأخذت الذين ظلموا الصيحة ُ" فالصيحة ُ متأخرة وان كانت الفاعل.
لذلك فقد تسلمك جملة واحدة في العربية خلت من التشكيل إلى المحاكم بتهمة الكيد الرصدي فضلا عن انك بوضع السكون على عمر أو زيد، لا تستطيع ليس حسم القضية لصالح من؟ بل لا تستطيع حتى تحويلها على الترجمة لأي لغة أخرى كونك لا تعلم من ضرب من: زيدٌ أم عمروٌ والسبب "حركة تشكيل".
وبذلك تشل حركة الترجمة، حيث إن الترجمة في كثير من الأحيان تردف إلى المعنى الذي يغفله البعض في العربية موشحا بالسكون ليسلم القائل ويسلم رأسه من الوجع، ويربت الجميع له: برافوووو..... على الخطبة العصماء وهي. صمّاء.
وليذهب زيدٌ وعمروٌ، أو لنأخذ زيدا وعمرو اً إلى الجحيم.
هذه مقدمة بسيطة فقط على أضرار السكون في اللغة والحياة ومغبة عدم دلالة الكلمات على أهدافها التي بينت لها، ولكن يجوز في الحياة ما لا يجوز في أي قاعدة، خصوصا كما قيل أن لكل قاعدة شواذ، وان كان خروجا كاملا على المألوف.
ولكن المفارقة أن الحياة اليوم تحب السكون وتحب من لا يتكلم لا أعني الهادىء بل الساكت عن الحق، وتحب من على حد قول العامية "يلزم الحيط" في كل مناحيها.
يغلب على البشر اليوم طابع السكوت أو السكون أو المداهنة أو النفاق بشكل عام، خصوصا في دنيا الأعمال دون إحقاق الحق أو إبطال الباطل خوفاً على المنصب أو الموقع أو المصالح أو خوفاً على العمل أو على الرزق حتى في اقل تقدير.
ربما يكون الأفراد معذورين في تقديرهم أو في العدوى التي استشرت بينهم، لأنهم وجدوا أن من يسكت يسلم، ومن يسكّن يرتقي، ومن يتخذ السكون ديدنا تربت له الأيدي.
أن تكون "جنب الحيط" مسالماً مداهناً غير مبدٍ رأيا أو ناقداً موضوعياً هو الموضة في الفترة الأخيرة لمن يسأل السلامة لشريعة الاستمرار والبقاء، أما الرأي فهو لا يعد مقارعة أو مناقشة أو إفادة أو ديمقراطية حتى لو كان عن علم وحجة بل يكون مصدرا للتوتر أو المعاداة.
كثير يدليك بالنصيحة اليوم حول السكوت في أي مناسبة رسمية أو اجتماع أو مجالس مهنية بحتة لم توضع أبدا إلا للرأي والحجة التي يريدك البعض أن تكون فيها ممثلا صوريا أو بالعامية "طوفة"، الأمر الذي يخالف الهدف منها لذلك لا ضير إن جاءت نصيحة السابق للاحق: عليك بالصمت والزم الحياد.
"سَكّنْ تَسْلَم ْ" من غابر عن غابر إلى غابر......
قاعدة وَصَلَنَا فيها متأخرا أن السكوت من الماس في مجتمعات خلقت جدراناً عازلة للصوت والحجة، لذلك ماتت الشخصية ومات الهدف من أجل أهداف أخرى.
لا نعلم في هذا التقدير أكان الرأي في مجتمعاتنا الديمقراطية حجة ً أم لغوا؟ علم منطق أم علم كلام وسفسطة؟ رأياً ام هرجا ومرجا؟
لذلك غدت حكمة الصمت سنّة في شعوب لم تجد ثمرة حتى أن تقول ولا تفعل إن لم تكن تقول وتفعل، حتى تأتي على أقسى الأمرّين: ألاّ تقول....وألاّ تفعل.
ورحم اللهُ زيداً وعمروا عندما اختلط الفاعل بالمفعول فيمن ضرب من؟
إنها آفة الصمت - ليس في الحق - ولكن "عن الحق".
"وخلكم جنب الحيط" علّه يسقط عليكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق