الخميس، 15 نوفمبر 2012

أميركا من "إرهاب الأرض"

 مداد القلم/ الشرق             
 الأحد1 3 يناير 2010
                                     
   
مشروع قرار الكونغرس الأمريكي رقم (2278) الذي يدعو بتصنيف مشغلي الأقمار الصناعية كمنظمات إرهابية في حالة التعاقد مع القنوات المصنفة كمنظمات إرهابية، ومنع الفضائيات المحرضة علىالإرهاب” وفق المفهوم الأمريكي، يعد انتهاكا صارخا لحرية الإعلام والتعبير التي تحترمها كافة التشريعات والتي جعلتها الولايات المتحدة الأمريكية التعديل الأول في الدستور الأمريكي.

 هذا القرار عكس انتقائية غريبة في  أجندة حرية الرأي والتعبير في أميركا وفقا للمصالح الذاتية والمخالفة لمطالب الديمقراطية الدولية التي تزعم تطبيقها في المنطقة التي تريد تقويض دعائمها فيها، مرورا بكبح ما أسمته إرهاب الأرض ومن ثم إسباغ ذات الصفة على ما يسمى إرهاب الفضاء دون عدالة في تحديد ذلك المفهوم. الأمر الذي يقوض من شرعيته أو إمكانية القبول به على المستوى الدولي وان صرح  مشروع القرار نصا  بثلاث قنوات (المنار- الأقصى- العالم)  حين انه بلا شك استهدف عدد امن المحطات الأخرى تورية في توجه واضح لمعاقبة للأقمار العربية (عربسات – والنايلسات) التي تبثها.
خبراء تكنولوجيا الاتصالات عبر الأقمار الصناعية ، أمثال آرثر كلارك Arthur Clark ، يؤكدون على إن "الكلمة الفصل تكون دائماً للتكنولوجيا وليس السياسة في النضال في سبيل الإعلام".
ورغم أن تنظيمات البث الدولية هي الحاكمة فيما يسمى "بالبث عابر القارات" التي تنظم الداخل على الدول بمنهجية إعلامية مهنية وليست أجندات سياسية
 إلا أن موقف أميركا من البث المرئي العابر للقارات يتصف بالدكتاتورية الدولية والهيمنة حتى على الإعلام ليس كما سبق بسياسة القطبية التدفقية له أو السيطرة السياسية على المشهد الإعلامي كما شهدنها في حرب الخليج قبل ولادة الإعلام العربي الدولي الحر فضائيا عندما كانت السي ان ان هي الناقل الرسمي والحصري، وليس في صورة قنوات مضادة بلغة الخصم في ديارها فشلت في إقناع الجمهور باتجاهات الرأي الآخر والصور الحقيقية التي تحجبها القنوات الأمريكية ، ولكن في صورة جديدة كحل ختامي لجأت له بعد فشلها الذريع في تعتيم وتمويه كثير من الحقائق وتضليل الرأي العام ، صيغة عقابية قانونية رادعة في ظل حرب المفاهيم الجديدة ضد القنوات (المحرضة على العنف/ الكراهية لأميركا أو الإرهاب ) إذ لا مجال لوقف تدفق "إرهاب " الفضاء إلا بحرب مادية بحته.

المشروع يعد وصمة عار في سجل حريات الولايات المتحدة وإجراء غير مقبول لا منطقيا ولا حضاريا ولا حقوقيا خصوصا وإن أميركا تنادي بالحريات والتعددية وقبول الرأي و الرأي الآخر وتدخل في اتفاقيات دولية تعزز حقوق الإنسان وحق حرية الرأي والتعبير وتدفق المعلومات وتلقيها ونشرها ،وهي في داخلها تعزز النقد حتى للسياسات الحكومية على مستوى قوي في إعلامها وإن كانت انتقادات لقرارات للكونجرس أو للبيت الأبيض أو للرئيس الأميركي نفسه.
ويل للعرب من حرب المفاهيم العائمة!!  وما هم صانعون؟

اجتمع  وزراء الإعلام العرب في جامعة الدول العربية الأسبوع الماضي  للتحرك لدى الإدارة الأمريكية للحيلولة دون المصادقة على مشروع القانون المذكور ورغم الاتفاق على غياب الأحقية الدولية والشرعية لأمريكا في تطبيق هذا القرار إلا إن الدول العربية باتت متخبطة في معالجته أو حتى إبداء اعتراضها لعدم وجود جهود منسقة فيما بينها فضلا عن استغلال المشروع المذكور للأرضية الخصبة الاختلافية في بيت الجامعة حول موضوعين رئيسين:
 أثير احدهما عام 2008 وهو (وثيقة الشرف الإعلامي العربي)  السالبة للحريات الإعلامية  بالتأكيد والتي لا تقل دكتاتورية عن مشروع الكونجرس ، بل ربما لعلها أحد الأسباب التي أعطت الضوء الأخضر لتقديم مشروع كونجرس مشابه  خصوصا وان الموافقين عليه من" بني يعرب " اكثر ممن اعترض عليه أو رفضه أو حايده.
وأثير الآخر عام 2009 حول تشكيل (المفوضية العربية للإعلام ) والتي أقترح أن تنظم الإعلام العربي بشكل عام دون التدخل في سيادة الدول على أراضيها أو التدفق الإعلامي الخارج منها.

ومع ذلك التخبط العربي ، نجد أن المشروع الأميركي يحتاج إلى وقفة دولية وليس فقط عربية إذ إنه يمثل تجاوزا على سيادة الدول وحدود الفضاء وإدراجا لحرب مسميات جديدة ضاقت بها الأرض لتطال السماء لتوسع نطاق الانشقاق الدولي والحروب وتقوض دعائم السلم.

فمن الغريب أن تسيس الحريات الإعلامية  وتصبح انتقائية لأمم دون أخرى علنا حين إن القضية الأعمق التي يجدر الدعوة لها والتكاتف والاتحاد الدولي في سبيلها أمام الزخم الإعلامي  الذي يتحدى الأخلاق والقيم والسلم والأمن الدولي للعالم قاطبة تتمثل في:
 دعم وتعزيز القواعد التنظيمية العامة للإعلام الدولي عابر القارات بمعايير واحدة ليس البث الفضائي فحسب ،  بل وعلى الإعلام لإلكتروني الذي يشكل اليوم تحديا أكبر،  فما يُعاق بثه في السماء تجده عبر الانترنت.     
وهذا يحتم ايضا الالتزام بمدونات الأخلاق المهنية للتعامل الإعلامي التي هي الفيصل في هذا الشأن وهي قناة الالتقاء بين كل الأقطاب والدول في كل مجالات  التدفق الإعلامي الثقافية والأخلاقية وليست فقط السياسية ،
 وبعدها ووفقا لما تنص عليه الاتفاقيات الدولية لنترك للمشاهد –وليس فقط للأقمار أو القنوات أو الدول التي تبثها أو تُبث منها-
لنترك  - للمشاهد (الإنسان)-   حقه في حرية تلقي واستقبال المعلومة والصورة والوقوع على عين الحقيقة لا نصفها  الأعور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق