الخميس، 15 نوفمبر 2012

لا توتر بين القطري والأجنبي ولكن.. ؟


مداد القلم/الشرق1
06 يونيو 2010

لم نتجاوز الـ 15 % من جملة عدد السكان، ونحن نتساءل: ماذا بقي لنا من هذه الكلمة في بلادنا؟
نفخر بكوننا قطريين يشار لنا بالبنان حالما نغادر حدودنا الجغرافية، بداية بما أسلفته الحنكة السياسة القطرية ودبلوماسية سمو الأمير عالمياً، ومن ثَمَّ بالتطور المشهود في الدولة الذي عنته الرؤية السديدة، ونفذته الإرادة النافذة في مجالات عدة، فضلا عن السيرة المحمودة التي يجسدها الكثير من القطريين في الغربة في مجال أعمالهم في مختلف قطاعات العمل والعلم أيضا..
لجنة الإحصاء وهي تحصي السكان والمساكن (إبريل الماضي)، لم تجد من القطريين ومنازل القطريين سوى النفر القليل مقارنة بحجم السكان الذي تضخم حلزونيا في فترة قصيرة نسبيا الى ما يزيد على المليون وستمائة ألف نسمة، فتندر الكاريكاتير ـ ابريل الماضي ـ بذلك ساخراً من ان بين عشرة منازل لمقيمين هناك منزل واحد فقط للقطريين.. ولكن الملاحظ انه مع القلة العددية، فهي أقلية لا تكاد تجد الفخر بقطريتها ووطنيتها الذي تجده خارج حدود دولتها، حالما تحط الفئة الأقلية أرجلها في رحالها وداخل حرمها ودولتها، وخصوصا في ميدان العمل داخل مؤسساتها، لعوامل عدّه تفت في عضدها، وهذا منتهى الظلم، حتى لو وجد في اي مجال من يشذ سلبيا من القطريين عن السيرة المفترضة منه، فتلك طبيعة البشرية بكل أجناسها وجنسياتها في كل زمان ومكان..
لم ولن يحصل منا كقطريين ان نسبغ على شعب بأكمله من أي من شعوب العالم صورة سلبية لفئة من فئاته لنطبع شعبا متكاملا بصبغة نمطية ظالمة في الحياة العامة أو وسائل الإعلام، خصوصا أننا دائما ما نطالب بتعزيز صفة الإعلام المهني الموضوعي في النقد والطرح، وصفة الموضوعية في كل من يطرح قضية  إعلاميا كان أم مقيما في قطر، موظفا، عاملا نزيها كان أم انتهازيا أم منتفعا ذا مصلحة.
لم ولن نرضى بل لن نتسامح أبداً أن يدمغنا غيرنا كقطريين ـ ظلما ـ بصفة الكسول أو المتراخي أو المدلل في عمله وحياته، لمآرب أخرى يراد ملقيها ومروجها جني محصولها بعد التفرد باستحقاقاتها له خالصةً دون المواطن، وهذا ما يجب أن تعيه الدولة نفسها ليس فقط في النهج الحالي بتفضيل غيره عليه، حتى لو لم تكن له ملكات ومقدرات تفوق الوصف، ولكن لا بد أولا وقبل اي شيء من ضرورة العدالة ومن ثَمَّ عدم التقليل من قيمة المواطن وقدره، حتى لا تكون مدعاة لدى الآخرين للتقليل من قدره ومنزلته، سواء داخل الوطن أو خارجه. لعل التقرير الذي نشرته نيويورك تايمز يوم 13 مايو الماضي بقلم مايكل سلاكمان تحت عنوان "الأثرياء القطريون يريدون ما لا يشتريه المال"، مثالاً لما نقصده، فهو يجافي الحقيقة في التعميم بالقول بأن "المواطنين القطريين يميلون إلى الحياة المرفهة وركوب السيارات الكبيرة والحياة في منازل ضخمة بأسلوب حياة يتميز بالبذخ. لاسيما أن الدولة تتمتع بمخزون من النفط والغاز الطبيعي الذي يساعد المواطنين على أسلوب الحياة المرفهة."
إذ إن ذلك يفترض في وسيلة إعلامية دولية صورة نمطية عامة عن شعب بأكمله بأنه مدلل ويعيش حياة بذخ، معقبا كالعادة بمخزون النفط والغاز وكأنه ملك المواطن لا الدولة، وكأن المواطن يأتيه الراتب وقفاً أو منحة أو صدقة من الحكومة؟؟ خصوصا أن من قرأ التقرير وركز في الصور المرفقة سيجد تعمدا واضحا وصريحا لتشويه صورة القطري في الغرب، إذ وضعت صورة لقطري مع مدير مبيعات غير قطري وهو يتخير بين سيارات الرولز رويز، وكذب الصورة وتنميطها تدحضه الحقيقة الواضحة، التي لو فتح أحدهم عينه فيها في شوارع قطر لوجد ان معظم القطريين من رواد السيارات العملية التي تمثل "التويوتا" رائدتها، أما السيارات الفارهة الأخرى — وليس بالضرورة الرولز رويز — فيكفي ان نشير إلى من يركبها في قطر — ليس من فئة محدودة هي تلك النسبة الطبيعية في كل مجتمع من الأثرياء أو التجار —، بل أغلبيتهم من اولئك المستقدمين للعمل في قطر بعقود باهظة ويتنعمون دون القطريين ببدل سيارة أيضا — ولكنهم يتحاورون وللأسف في تقارير لصحف دولية ليسقطوا الصفة التي يتنعمون بها من دلال ودعة وبذخ على غيرهم ممن يعمل من راتب إلى راتب ويشتري سيارته ويبني منزله على أقساط، "الأقساط" هي جملة ما يعتمد عليه القطري حتى في بناء بين العمر الميسر القرض لا منحة كما يشيعون، ولو سلمنا بصورة النيويورك تايمز عن الرولز رويز علما على القطري، اذن لوصلنا إلى نتيجة انه ليس هناك قطريون في قطر إلا النسبة الطبيعية لممتلكيها كما هي في دول العالم الأخرى، ولانتفت اذن صفة المقال التي اسبغها العنوان على شعب قطر. ومن ثم يأتي الظلم في ذات التقرير أيضا في تعزيز هذا التنميط السلبي عندما تتجاور صورة القطري وهو ينتقي من الرولز رويز، بصورة ثانية بمحاذاتها تشير إلى عمال أجانب من طبقة العمالة في أعمال الطرق والبناء، أولئك الذين يعيشون في منازل وأحياء فقيرة أخذت لهم الصور وهم يلبسون الإزار (الوزار بالعامية)، لتوهم القارئ الغربي في صحيفة تطبع دوليا في اسلوب مقارنة بين حال وحال، بأن التوتر والغضب من القطري على الأجنبي الذي ترونه في الصور أمامكم أيها المجتمع الغربي، ما هو إلا توتر جائر يأتيكم من طبقة "قطرية" مرفهة لطبقة "أجنبية" كادحة، لإنسان بائس يعيش في ملاحق جماعية ويعمل بعرقه تحت أشعة الشمس، يعززها الهامش الذي انتقاه المحرر ليكتب على الصورة في عدم نزاهة:
" العمال الأجانب في دولة قطر. هناك توتر وغضب وإحباط بين القطريين والأجانب."
ومباشرة يتساءل الكاتب بعدها: ما الذي يجعل البعض غاضباً في قطر؟
لم يشر التقرير أو الصور أبداً إلى الأجانب الذين يعيشون في أبراج "منهاتن قطر" أو فللها الفارهة ذات الطلة البحرية على ساحل الكورنيش والخليج الغربي بكامل مرافقها وامتيازاتها ونواديها، ولم يشر إلى السيارات التي يستقلونها، فقط اراد ان يختزل التوتر كله في مقارنة جائرة بين صورتين لا تحكيان الواقع بل تحبكان تشويه صورة الشعوب التي يجيد الإعلام المتقدم حذق صناعتها. ويجيب التقرير نفسه في الوقت ذاته:
"بأن القطريين يمثلون أقلية في دولتهم، 15 % فقط من تعداد السكان، ولكنهم يستاؤون من معاملتهم على أنهم أقلية." وكأنه يأمر سلفاً معاملتنا كأقلية في بلادنا، ويستنكر على المواطن القطري حقوق المواطنة في أرضه، تلك التي لم يساومهم عليها أحد منا في ديارهم. ويضيف: "القطريون مدللون للغاية"، بل يدعي أحدهم في حكم عام جائر بأننا كقطريين " فقط ذوو قيمة في السياق الثقافي والسياسي"، بل ويتمادى في حكمه "وغالبا ما يتلقون معاشات سخية، ويتم إعلامهم بأنهم لن يتسلموا أي وظائف لا تعتبر مناسبة لهم.".. إنها منتهى الإهانة التي لا نقبل بها ليس من النيويورك تايمز ولا المحرر ذاته فحسب، في عدم تحري الدقة والموضوعية فيما يطرح من قضايا، والافتراء في بعضها الآخر، بل من الأفراد الذين تم الاستشهاد بآرائهم من غير القطريين الذين يتنعمون بما اتهموا به القطريين من دعة أودعت لهم على طبق من ذهب في وقت شهدنا فيه بأم أعيننا كيف غذت البطالة في الغرب سوق العمل في الخليج، حتى لغير الكفاءات ممن نزح بأهله ووظفهم بالوساطات في مختلف أجهزة الدولة ليس على قاعدة "الكفاءة" بل قاعدة "لم الشمل"، وكيف خططت السياسات الغربية بتكتيك مشهود النزوح الجماعي لبطالتها في دولنا، بدعوى رؤى التقدم والتطوير.. لن نتحدث مجدداً عن بريق قطر الأخاذ، وعن طوابير من الأفراد تلاحق القطريين في كل محفل في الغرب، علها تجد الفرصة السانحة لنقلة نوعية لها في العمل بكامل الزيادات هنا في قطر، فتلك حقيقة لعمري غابت عن المحرر والمستضافين والناشر.. وان صح مجتمعياً ومنذ الأزل تبادل الخبرات في كل وطن وليس قطر فحسب، خبرات متبادلة نعم، ولكن لا ليجدوها زاداً لطعن غيرهم بتعميم على شعب أمة، جزاؤها انها احتضنتهم مثلها مثل غيرها من الأمم المتقدمة التي اضافة الى اعتمادها على ابنائها تستعين بغيرها ممن له باع في أي مجال.
وأخيرا، يجدر التذكير بأنه ليس كل القطريين أثرياء، وليسوا من متنعمي حياة الدعة والراحة والبذخ، فالقطري يعمل مثل غيره ليجد قوت يومه، وكما في كل مجتمع مستويات.. في قطر مستويات قد يطول الكثير منها خط الفقر أيضا — إن وضع له خط معرف مهنياً في صندوق الامم المتحدة الإنمائي — بل وإن فتحت قطر المجال لجهاته لبحثه وتقدير نسبه، ومن ثم قيام الإعلام بتغطيته بموضوعية وشفافية. أما التضليل الإعلامي الدولي بأن القطريين يسعون نحو ما لا يستطيع المال شراؤه، فهذا حكم جائر وإعلام غير مهني، فهناك قطريون كثيرون يبذلون عقولهم فيما لا يستطيع العقل شراءه.. واذا كان المثل العربي المصري يقول: "من ترك داره قَلَّ مقداره" فهذا ما نفته قطر في إكرامها للأجنبي الذي علا مقداره إلى الدرجة التي لم يراع بعضه ادنى درجات الموضوعية في حفظ قيمة قطر، وإعطاء صورة حقيقية لا نمطيه عنها، اما نحن القطريين فلله درنا من مقولة "من يهن يسهل الهوان عليه" التي طبقها وطننا علينا، فصرنا لقمة سهلة لغيرنا حتى نهشتنا وسائل الإعلام جَوراً، وبفعل من يقطن بيننا.
ولكن هل تتوازى أقلية حجمها 15 %، مع أغلبية حجمها 85 %؟ .. أبداً.. وصدق من قال من العرب: "الكثرة تغلب الشجاعة".
ملاحظة:
أشكر كل القطريين الذين تفاعلوا مع هذه القضية، وكل من راسلني على البريد الإلكتروني في شأنها، هذا مؤشر أن الوطنية تأخذ في دمائنا مجراها.. وفقنا الله جميعا لخير هذا الوطن قطريين ومقيمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق