الخميس، 15 نوفمبر 2012

أين البحوث الطبية الاستقصائية للسرطان المتزايد في الخليج وقطر؟

مداد القلم/الشرق
12 ديسمبر 2010

لعل ما يؤرق هو ان نسبة السرطان في دول الخليج العربي والشرق الأوسط، بل والعالم بأسره، في تزايد مطرد، ناهيك عن شح وندرة البحوث الصحية والطبية على مستوى الشرق الأوسط، لتحديد أسباب تزايد مرض السرطان في دول الوطن العربي والعراق والخليج على وجه الخصوص، وليس إحصائية النسب السائدة فقط.
يلاحظ أنه دائما ما تقدم التقارير بيانات ناصعة عن العدد والنسب ولكنها تفتقر إلى تقدير الأسباب الكامنة، فوفق تقرير أصدره المركز الخليجي لتسجيل السرطان نشر في يناير 2010 فإن "عدد حالات الإصابة بالسرطان في دول الخليج بلغ 71 ألفا و882 حالة، وفقاً للتقرير التجميعي لمعدلات الإصابة بمرض السرطان في دول مجلس التعاون الخليجي.


حيث جاءت السعودية في المرتبة الأولى في نسبة الإصابة، حيث بلغ عدد الإصابات فيها 51 ألفاً و587 حالة، ثم سلطنة عمان بـ7 آلاف و938 حالة، ثم الكويت بـ5 آلاف و125 إصابة، ثم البحرين بـ3 آلاف و338 إصابة، ثم دولة الإمارات العربية بألفين و518 إصابة. في حين حلّت "دولة قطر" في المرتبة الأخيرة بألف و346 إصابة بالسرطان.. هذا والأرقام في اطراد وتزايد وفقا لما بعد وقت هذا التقرير.
ورغم تقدم الخدمات الطبية في الدول الخليجية البترولية، وإنفاق كل دول الخليج وعلى وجه الخصوص "دولة قطر" الإنفاق الأمثل على الصحة والخدمات الصحية، فضلا عما تشكر عليه الدولة من توفير خدمة العلاج بالخارج للمصابين بالأمراض المزمنة والمستعصية ومنها السرطان، حتى مع الجهود المبذولة في مستشفى الدم والأورام "الأمل" الذي لم يعد يغطي الزيادة المطردة في حالات السرطان. وكما تعاني مستشفيات قطر للدم والأورام العجز فمثلها تعاني المملكة العربية السعودية — وهي سابقة في توفير مراكز علاج الأورام — حيث تعاني أيضا نقصا في عدد الأسرّة والبنية التحتية الطبية التي تتعامل مع هذا المرض.
ومع كل ذلك فإن البحوث الطبية والخدمات الوقائية والعلاجية في مجالها وخصوصا السرطان تظل قاصرة عن تلبية الحاجة الضرورية لمجابهة هذا المرض.
بل وما يؤسف له أن تظل نتائج البحوث المحدودة المطروقة  تابو" غير قابل للنشر أو التداول أو الإفصاح، وكأن البحوث المعنية بهذا الشأن جريمة أو شأن خاص خارج مساحة الشأن العام، وإن سلمنا سلفا بأن هناك بعض النتائج التي قد يؤخر نشرها أو تحجب تقديرا لأسباب أخرى طبية ومجتمعية ووقائية.
وإذا كان معظم الأطباء يرجعون تزايد نسبة الإصابة بالسرطان إضافة إلى التلوث البيئي، إلى زيادة معدل "العمر الطبيعي" لدى الإنسان نظرا للتقدم الطبي، إلا ان الجدلية تفترض ان السرطان وخصوصا في دول الخليج ومنها قطر، لا يصيب كبار السن فحسب بل بدا واضحا أنه يهاجم الشباب والأطفال، وخصوصا اللوكيميا الذي يعد عامل التلوث البيئي واضحا جدا فيه.
هذا في الوقت الذي تحذر فيه منظمة الصحة العالمية من تزايد حالات السرطان في البلدان النامية، حيث يتوقع أن يشهد العالم خلال العشر سنوات القادمة زيادة بمقدار ثلثي الحالات الحالية من مرضى السرطان، كما اكد رئيس الاتحاد العالمي لمكافحة السرطان الدكتور جون سيفر ان اعداد مرضى السرطان في دول العالم العربي تتزايد بشكل مخيف في السنوات الاخيرة. مشيرا إلى ان اعداد المصابين في المنطقة العربية تترواح بين 100 الى 150 حالة جديدة لكل 100 الف مواطن سنويا.
عندما أصبح الحديث عن السرطان حديثا مرعبا في الخليج وقطر، فإن ذلك يستدعي تحركا ليس محليا فحسب بل عالميا، يبحث المسببات وطرق الوقاية بموضوعية وشفافية تبتعد عن حسابات السياسة والتنمية الصناعية والمصالح الدولية. إذ لا يكفي أن نضع التلوث البيئي عامة شماعة نعلق عليها الأسباب دون تحليل عميق أو تحرك يذكر ونحن نستنشق البيئة ونشرب ماءها.
بل ينبغي أن تقف البحوث وقفة صارمة أمام الظلم والتعدي في استخدام بعض الدول بعض مسببات هذه الأمراض المستعصية والمزمنة القاتلة تحت أي ذريعة.
بعض العلماء يصفون السرطان بأنه "حرب خفية"، لكن يجب ألا ينسحب مفهوم هذه الحرب الداخلية للمرض على البحوث الاستقصائية الفاعلة ويجعلها "محرمة".
وفي حين أن التابو في التصريح أو التلميح أو النشر بات يشكل ضغطا سياسيا على صحة البشرية وحق الإنسان في العيش الكريم، وحقه في المعرفة والتوعية والوقاية، نتمنى ألا يحتاج هذا الحق البشري إلى "جوليان أسانج" آخر والى "ويكيليكس" أخرى لتنشر أسباب مرض عضال منتشر أو حرب غير عادلة مع حق من حقوق الإنسان.
وفي الوقت الذي يخشى فيه السياسيون دمغهم بالضلوع في نشر الأوبئة المزمنة، جاءت الوقفة السياسية والإنسانية الجريئة في الحق والنادرة في مجالها، ليس على صعيد قطر والخليج بل على الصعيد العالمي، في نداء عالمي سابق من نوعه، ركز لأول مرة على البعد البيئي والاستخدام غير العادل للأسلحة المدمرة وأثرها على صحة الإنسان، وزيادة الأمراض المستعصية بعد حربي الخليج، حيث جاء في كلمة جرئية لسمو الشيخة موزا بنت ناصر في افتتاحية المؤتمر الثالث لتحالف الحضارات في ريو دي جانيرو في البرازيل مايو 2010 المنعقد تحت مظلة الأمم المتحدة،
"انه أمام البشرية ملفات كبرى عليها أن تتصدى لها، منها الاستفادة المتكافئة من الطفرة التكنولوجية والبحث العلمي إلى جانب مكافحة الأمراض وتطويق آفات البيئة المهددة للأمن الغذائي والأمن البيئي".
واستشهدت سموها في ذلك "باستعمال الفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية واليورانيوم المنضب الذي تسبب في دمار لا يمكن التعافي منه في المنطقة العربية بوجه خاص، مشيرة إلى أنه منذ حربي الخليج الأخيرتين والعلماء يدرسون الآثار بعيدة المدى لليورانيوم المنضب على البيئة والتجمعات البشرية، إذ أن المنطقة شهدت ارتفاعا في الأمراض المزمنة والمستعصية منذ حرب الخليج الأولى، كما ارتفعت نسبة التشوهات الخلقية وترتبت العديد من الآثار السلبية على البيئة."
أعتقد أنه مع بوادر الأمل في قطر ومنها بزوغ فجر مركز السدرة الدولي للبحوث الطبية والصحة والذي تعاون مع خبراء عالميين ومراكز متعددة، ومنها في مجال طب الدم والأورام السرطانية في أميركا والعالم، نستبشر أن يكون نداء سموها السابق للعالم مدخلا موضوعيا، بل ونطالب به أن يكون وثيقة من وثائق المركز التأسيسية لنهج منظم لبحوث تخدم المنطقة، وتسهم حقا ليس فقط في ما يسود اليوم من حملات التوعية بالكشف المبكر عن السرطان، فقبل الكشف عنه في أجساد البشر وتحمل تبعاته المضنية جسديا ونفسيا، الأجدر بنا أن نكشف عن يد البشر فيه في الأرض والسماء حتى يعرف المرء ما يتقيه وكيف يتقيه.
أوليس العالم يجمع على أن "درهم وقاية خير من قنطار علاج"؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق