مداد القلم /الشرق
16 مايو 2010
الصغار قبل المراهقين يغنون ويرقصون على الأغاني الكورية، الفتيات يردن أن يتزوجن رجالا كوريين، المراهقون لا حديث لهم إلا عن الأغاني والمسلسلات الكورية التي يتسمرون أمامها على اليوتيوب، كوريا غدت حلم إجازة صيف هذا العام وحلم شهر العسل لكل شابة.
إنها "هاليو".......
لا نعني بها ثورة سياسية بالتأكيد، بل هي تلك الثورة الجديدة الناعمة في العالم التي تقدم الأمم وتؤخرها، الثورة الإعلامية والسيطرة على القلوب والعقول في آن.."هاليو" أي الموجات الثقافية الكورية.
يوم الأربعاء بتاريخ 12 مايو صدرت أغنية (Bonamana) الكورية الجنوبية، وحصدت مساء الأمس السبت 15 مايو خلال ثلاثة أيام فقط نسبة مشاهدة قياسية بلغت 1،323،800 أي ما يقارب (مليون وثلاثمائة ألف مشاهد)، وكانت قد بلغت نسبة المشاهدة ليلة إطلاقها 400.0000 (أربعمائة ألف مشاهد)، وقد انتشرت هذه الأغنية بشكل أكثر كثافة في كل من امريكا وكندا وانجلترا وفرنسا ومعظم دول شرق اسيا بالإضافة إلى الممكلة العربية السعودية، وذلك وفقا للأطلس الجغرافي لتوزيع انتشارها خلال الأيام الثلاثة الماضية الذي برزت خارطة توزيعه مع الأغنية على اليوتيوب موضحا حجم ونسبة ومدى وفئة انتشارها التي بالتأكيد شملت الفتيات بين 13 — 34 والفئة العمرية الشبابية الأصغر تعد أعلى نسبة في المشاهدة. هذه الأغنية حصدت مركز )Trending Topic على التويتر، كما أصبحت أكثر الأغاني عالمية ((Favorited على قائمة اليوتيوب ذات يوم إطلاقها.
ولماذا أغاني كوريا الجنوبية؟؟ وهل يفهم جمهور مشاهدتها الشبابي معاني كلماتها إذا كانت خارج نطاق اللغة الكورية سواء في موقعها أو في أميركا؟
لم تنتشر الأغاني الشمالية بالتأكيد، حيث إن معظم الأغاني الكورية الشمالية تتميز بالمواضيع الإيديولوجية، في حين أن العديد من الأغاني الكورية الجنوبية تتحدث عن الحب، من يريد أن يسمع أغاني أيديولجية؟ أو دراما أيديولوجية؟
ولكن ليس هذا بيت القصيد، فقد أسرت المسلسلات الكورية بداية قلوب المراهقين في مختلف أقطاب العالم، ومن خلال المسلسلات بدأ جمهورها التعرف على الأغاني الكورية ومن ثم الدخول إلى عالمها الذي سوقت له الأداة الإعلامية الكورية في الإنتاج والدعاية والإعلان والنشر والتوزيع بنجاح وذلك من خلال الإعلانات التشويقية المخططة (Teasing Ads)، والدعايات اليومية عنها فضلا عن تحميل موسيقى الأغنية تشويقا قبل إنزالها كفيديو في تدرج إعلامي تشويقي بارع، فضلا عن تواتر جعلها أكثر الموضوعات طرقا وتداولا على أدوات التواصل الاجتماعي في كل من التويتر والفيس بوك، وحوت المسلسلات معاني خفيفة ناعمة لا تغم المشاهدين أو تشوه صورة المجتمع الكوري الذي تمثله، كما هو قائم في دراما الفشل لدينا في المسلسلات الخليجية التي أخرجت مجتمعاتنا وكأنها إفراز العنف والجهل والخمر والمخدرات مغيبة بنظارتها السوداء القاتمة خصائص ثقافية وميزات اجتماعية وفكرية ونقلات حضارية وتعليمية وتطورية للمجتمعات كانت جديرة بالطرح لدينا لتشكل منطلقات جديدة لدخولنا بيوت "العولمة" بإيجابية لا بيوت "العوالم" بسلبية، تعكسنا كظواهر فاشلة دون النظر إلى ايجابيات المجتمعات الخليجية التي يجدر طرحها على المستوى العالمي.
الأغاني والمسلسلات والدراما وسائل إعلامية ناجحة كقنوات اتصالية تعجز عنها الدبلوماسية الدولية وان سخرت لها سفارات وسفراء، ونجاح الدول وفشلها رهن بإعلامها، ولكن وصولها للقمة العالمية يذكيه قوة إعلامها، بل وكيفية استقطابها مختلف قنواته مثل الدراما والتمثيل والتي تلعب اليوم الدور الكبير مع الأغاني في نقل وتشكيل صورة الآخر لدى الشعوب.
لقد استشهد خبير اقتصادي كوري حضر "مؤتمر التنمية الاقتصادية" حول "مواجهة تحديات التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون"،الذي عقد في الدوحة فبراير 2010، بأن كوريا الجنوبية استطاعت غزو هوليوود عالميا ومنافستها وذلك بجعل الإعلام وصناعته أحد مصادر التنويع الاقتصادي.
وفي ذلك، أعلن معهد "داييتشي" الياباني للشؤون الاقتصادية أن مسلسل "أغاني الشتاء" قد نجح في تحقيق دخل مادي كبير في اليابان بما يوازي مليار دولار تقريبا خلال عام 2004. ويشمل هذا المبلغ زيادة حجم مبيعات السيارات الكورية وتزايد عدد السياح اليابانيين لكوريا ومبيعات الأسطوانات الموسيقية التي تضم الأغاني التصويرية للمسلسل، نتيجة لزيادة شعبية المسلسل.
إضافة إلى أثر ذلك على تنويع المصادر نجح الإعلام الكوري كونه أحد وسائل الانتشار الدولي، ونشر الثقافة من المحلية إلى العالمية. وأشار مسؤول مصري إلى أن مسلسل "أغاني الشتاء" غير الجوانب السلبية حول كوريا الجنوبية وقال آخر": ان التأثير الذي أحدثته الدراما الكورية في مسلسل "أغاني الشتاء" قد غير الافكار العربية نحو القوات الكورية الجنوبية المرسلة الى العراق.
ولكم أيها القراء أن تنظروا كيف غير انتشار ثقافي درامي من مفهوم انتشار عسكري؟؟
نجحت الدراما أيضا كأحد أدوات الدبلوماسية الدولية فقد ذكرت صحيفة " يو أس توداي" الأمريكية أن ظاهرة "هاليو" أدت الى حدوث تغيرات إيجابية في العلاقات الثنائية بين كوريا واليابان. وأدت شعبية مسلسل "أغاني الشتاء" الى تدفق السياح اليابانيبن الى كوريا عام 2004، وأعلنت وزارة الثقافة والسياحة الكورية أن عدد السياح اليابانيين خلال عام 2004، بلغ حوالي أربعين ألف سائح ياباني، كما أن صناعة السياحة الكورية شهدت انتعاشا في الآونة الأخيرة.
هذا وتجدر الإشارة الى أن بعض وكالات السياحة الكورية أقامت برنامجا خاصا من أجل السياح، بما فيها زيارة أماكن تصوير المسلسلات.
صيف قائظ ورائحة الصيف تنعش ذائقة السفر، والمراهقون يصيحون صوتا وعلى التويتر والفيس بوك " كوريا محطة صيف 2010".... فوداعا لندن وباريس.
إنها ساحة الإعلام وصناعته، فهنيئا لكوريا هذا النجاح، ونأمل أن نكون وجهة سياحية ونقترب من القلوب بصناعة إعلامية درامية ناجحة تتجاوز قصص المهاترات والعزف على تهويل الحالات الفردية في مجتمعاتنا لكي نخرج من شرنقة الصراخ والعويل إلى الدراما العالمية المعايير التي تقرب الشعوب كما اقتربت كوريا من قلوب شباب العالم بأسره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق