مداد القلم / الشرق
25 ابريل 2010
هل زرت سوق "واقف" بعد التحديث؟
بالتأكيد ستكون إجابتك بـ "نعم"، فتطوير أصالته حملت لقطر عبقاً فريداً جعلت سوق واقف وجهة سياحية رائدة.
ولكن هل حقق "واقف" طموح الإنسان القطري؟
الإجابة بالنفي...
لأن القطري لم يكن يتصور أن يتحول سوق واقف الأثري التقليدي إلى سوق "شيشة" و"أرجيلة" في كل زاوية من زواياه، حيث لم يبق إلا أن تسلم كوستا وهاجن داز وكوفي بينوري "الفرنشايز الغربي" العهدة أيضا لثقافة الشيشة ليلعب توفيرها وتسويقها فيها دوره في الريادة التسويقية لجذب ارتياد الشباب لها تقديماً للربحية على قيم المجتمع، كما حدث في شوارع وأسواق عربية مشابهة.
والسؤال:
كيف تحرص دولة قطر على تطوير المدن وأسواقها الأثرية التقليدية وتعزيز قيمها السياحية والجمالية والثقافية، حين إنها تتراجع في تقدير قيم التربية والصحة البشرية وهي التي وضعت الإنسان أول أولوياتها، هذا والحفاظ على القيم الأصيلة والصحة تتنافى مع فتح أفق "الشيشة" الرحب للشباب والمراهقين، وتطبيعه لدى الجميع من المرتادين والمارة بتيسير منظره وممارسته حتى لكأن تدخين الشيشة مجرد عادة شعبية متوارثة أو محمودة وليست تدخيناً مداه ضار على الصحة، الأمر الذي جعل من سوق واقف ليس مركزاً لتوفيرها، بل ولتسويقها ونشر عادتها هذا والمتعارف أن بيئة قطر بعيدة كل البعد عنها.
تطبيع الشيشة في الأسواق الشعبية ليس مدعاة فقط لتسهيل تداولها بين الشباب والمراهقين، ولكن لجرف النساء لها أيضا كعادة انتقلت من بلاد فارس وبعض الدول العربية المجاورة، وهي عادة شائنة للمرأة على وجه الخصوص، التي تجدها في بعض الدول عادة تجاري فيها المرأة الرجل وتنافسه فيها على الملأ في منظر تتراجع فيه ليس مضامين أخلاقيات المجتمعات المحافظة، ولكن في تحويل الأنماط الاجتماعية تحولاً يسرح بالمرأة عن كينونتها، ويدخلها في حيز (الاسترجال).
سوق واقف إبداع قطري يفتق القرائح بلاشك ولكن كان من الأحرى ألا يتم استغلاله حتى لو بدعوى التسويق والتجارة إلى مسرح لهتك قيم المجتمع، التي ولد وفطر عليها، أو مدعاة لتسويق عادات ضارة، وتغيير أنماطه الاجتماعية الحميدة.
بعض الدول الخليجية أصدرت قرارات بمنع الشيشة في الأماكن العامة أو وضعت لوائح لتحديد مواقع ارتيادها، وذلك حفاظاً على صحة المجتمع وسلامته، ولكننا في قطر مع جولة التطوير العاجلة قد تجرفنا تيارات دعم السياحة والاستثمارات دون وعي إلى القيم التي عكفت الأسر أولاً ومن ثم مجالس وأجهزة على معالجة تحدياتها دون أن تجد تكاملية في الدور الوطني، لأن ما تبنيه الأسرة وما تحرص عليه المؤسسات الأسرية والتربوية والاجتماعية تقوضه جهات أخرى.
فأين تكاملية الأدوار العمرانية والسكانية ليس على مستوى الإعمار والمباني، بل على تقدير البعد الإنساني والتربوي والأخلاقي والصحي، خصوصا أننا نعلم أن هيئة التخطيط العمراني ووزارة البلدية تعمل جاهدة على مشاريع عدة في قطر يجدر بها أن تخضعها لرؤية قطر من ناحية التنمية البشرية بكل أبعادها وبشكل مدروس ومتوازٍ مع أهداف المؤسسات التربوية والاجتماعية.
ولأن التخطيط العمراني والترميم وبعث الروح في المدن الأثرية لم يطل الأسواق فحسب بل هناك مداخل مشابهة على المدن الهادئة والواعدة، التي وجدت سواحلها الشرقية الجميلة في الآونة الأخيرة تملكاً عاماً يهدف إلى إعادة صورتها القديمة وترميم ما بقي منها وبناء ما طمر، مع تحويل الواجهات الشرقية لبيوت سكانها القديمة إلى أسواق قديمة وشوارع مشاة شبيهة بما عليه سوق واقف اليوم.
وإذا كنت في مقال سابق قد تحدثت عن حقوق السكان المدنية وضرورة وضع هذا في الاعتبار منوهة بسلبيات ترك مخلفات الترميم والحواجز الرملية على ساحل البحر المواجه للمنازل وخطرها وأثرها على السكان، التي أعطتها الجهة المسؤولة أذنا من طين وأذنا من عجين.
الجدير بالذكر في كل مدينة من مدن قطر طالتها أو ستطولها يد التطوير أننا مواطنون ولنا حق الرأي، ونحن بصوتنا في هذا المنبر الإعلامي، وبرفعنا مطالبنا عبر عضو المجلس البلدي أيضا، وهو مكلف بتحقيق مصلحة دائرته في كل شؤونها، نطالب بأن ينظر لنا في حقوقنا في مدننا حالياً بما أسلفنا ذكره من سلبيات التعمير أو التدمير مما تم إغفاله والسكوت عنه، ونطالب في مستقبل مدننا الهادئة ألا تتحول شوارع المشاة المزمعة فيها إلى مقاهي شيشة وأرجيلة، فمن حقنا كسكان أن نأمن من تداعيات ذلك على سلوكيات أبنائنا المراهقين والشباب، وأن نضمن حقنا كأسر قاطنة لهذه المدن منذ نعومة أظفارها، وكأسر أجبرت على هجرة هذه السواحل، نضمن بدائل مدنية حقوقية عامة في منتجعات وشوارع مشاة هادئة بعيدة عن "الشيش" و"الصخب" في جو محافظ يتيح لنا ولأبنائنا التمتع بسواحلها.
بل ونطالب بأن يلبي سوق واقف نداء الأصالة والقيم والذوق العام فللزائرين حقهم وللمارة حقهم أيضا في التمتع بجو نقي وصحي، أمّا أن يعطى كل الحق للمدخن في كل السوق فهذا ما لم تقره سياسة لا سياحية ولا تجارية ولا استثمارية.
إننا نناشد الجهة المسؤولة في الدولة بالبعد الإنساني في التطوير وتقدير قيم المجتمع وأعرافه، فالإنسان مواطن له صوت ورأي وحقوق مدنية، وهو أهم عناصر التنمية لأنه أساس العمران وهدفه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق