مداد القلم .. الراية 15 فبراير 2009
في بيروت، خلقت الأزمة المالية دعابة اذ شاع : " أن أهم مميزات الأزمة المالية انها جعلت النساء يؤمن أخير بمبدأ الزواج القائم على الحب."
وفي قطر لا زال الكاريكاتير تندرا يرسم قلب المرأة كقفل محكم، ومفتاحه رزمة مقيدة من الأنواط بالعملة الصعبة . (صورة صعبة)
لقد ألقت الأزمة المالية بظلالها على مختلف الدول وعلى كل ملامح الحياة ، وقد بدا الفرق واضحا من دولة الى أخرى وفقا لتأثير تداعيات الأزمة عليها ووفقا لمتانة اقتصادها وتنوع مصادره ومستوى السيولة وصناديق الاستثمار وبالتأكيد لدى الأفراد بقدر مستوى الايمان الروحاني.
وعند الحديث عن الأزمة المالية لا بد من التطرق لموضوعين مختلفي الأثر، الأول يتعلق بأثر الأزمة المالية على الزواج، والآخر أثر الأزمة على التركيبة السكانية في دول الخليج العربي .
الطرق مهم من الزاويتين وان كانت الأولى اجتماعية والثانية عملية.
الطرق مهم من الزاويتين وان كانت الأولى اجتماعية والثانية عملية.
وفي الأمرين ولأول مرة نشعر أن للأزمات المالية مميزات- بخلاف أضرار الانهيار الاقتصادي طبعا- والعذر للمتضررين اذ لست أعني التندر بالآثار المالية على اقتصاديات الدول والبنوك بل والأفراد خصوصا الأغنياء، اذ أن الأغلبية الفقيرة - متضررة سلفا- فلم تطلها مساوئ الأزمة لكونها في أزمة سلفا لاعتمادها على الراتب الشهري أولا وقد يتفاقم وضعها عند انتهاج الدول سياسة تخفيض قسري في الرواتب والأجور اثر تداعيات الأزمة.
دعونا نطرح الموضوع الأول اليوم مرجئين الثاني للأسبوع القادم بعنوان الأزمة المالية والتركيبة السكانية، فهل أثرت الأزمة حقا على الحب والزواج؟
لعل تندر النكتة اللبنانية صحيح ليس في مجتمعاتنا العربية فحسب، بل ووفقا لما تناقلته وكالات الأنباء الدولية :
أنه مع قتامة حي المال والأعمال في نيويورك "وول ستريت "، انتعشت مكاتب التزويج هناك اذ انه- حسب تصريح صاحبات المكاتب - عندما ضاقت الأعمال بالعزاب والأغنياء بدأوا التفكير في الحب والزواج وبدأوا يطرقون مكاتب التزويج ويدفعون لها، موضحة أن السبب أنه تدب الحيوية في العلاقات الطويلة لأن العلاقات العابرة - في مجتمعاتهم -كانت جزءا من الروتين اليومي للحياة العملية الصاخبة ، اذ ان الرجال يحتاجون لشيء مستقر في حياتهم، وعادة ما يكون ذلك هو حياتهم العملية لكن اذا لم يتحقق ذلك فانهم يتطلعون للاستقرار في حياتهم الخاصة.
أما المرأة فتقول دانيالز- صاحبة مكتب تزويج في نيويورك - " ان الاستقرار المالي كان أول ما تبحث عنه المرأة الراغبة في الزواج "لكنهن بدأن يدركن في مثل هذه الأوقات أنهن من الأفضل أن يرتبطن برجل يعمل في مجال غير معرض للمخاطر الكبيرة... ومثلما كانت تقول الجدات من الأفضل أن يكون طبيبا أو محاميا."
في الغرب أو الشرق من لبنان الى نيويورك ، اذا بدأ ينتصر مبدأ الزواج والحب في الزواج لذاته بعد أن طغت الخيارات المالية والبرستيج والمنصب على خيارات المرأة لشريك الحياة، وقد يكون ذلك مع الطفرة الاقتصادية والانشغال بها هو أحد الأسباب الرئيسة حتى لدينا هنا لتأخر الزواج عند الجنسين أو العدول عنه، اذ ان الرجل أيضا مثله مثل المرأة بات لا يقبل الا على المرأة الثرية.
بل- وفي جانب آخر للآثار الاجتماعية- فقد رصدت الطفرة المالية والعادات الاستهلاكية الصرفة سببا من أسباب الطلاق في المجتمعات الخليجية وما يتبعها من مظاهر البذخ والترف والاستهلاك التي عززت المديونيات في سبيل المباهاة.
خصوصا عند نساء يعتبرن الزوج فقط "بنك تمويل" أو "خزينة نقدية" لاستدرار الأموال، وللأسف دون ان تقدم كثيرات من الاستهلاكيات حتى واجباتها تجاهه أو تجاه أسرتها وسط غوغائية المطالب المادية الصرفة. وربما يدان بعض الرجال في مثل ذلك أيضا.
لاأعلم اذ ا كانت روح النكتة هذه لامست الواقع حقا في الخليج، ولكنها حتما ستلجمه خصوصا إلجام الطفح والبذخ المصاحب لحفلات الزواج والتي قد تكون أحد مسببات الطلاق قبل الدخول.
المهم في كل ذلك ، من يستفيد من درس الأزمة المالية على الحياة أولا؟؟
اننا نهيب بالمؤسسات الاجتماعية في الدول الخليجية أن تعي درس الأزمة لتقتنصها مناسبة للتأكيد على اهمية مؤسسة الزواج ، وتسهيل كل ما من شأنه أن يدعم الحياة الأسرية الطبيعية ، ويعزز قيم الأسرة والانجاب ، ويدرأ بالأسرة عن الفتنة والتفكك والانفاق اللا محدود على المظاهر الخداعة أو العادات الاستهلاكية، اذ لا بد من ان تستفيد تلك المؤسسات ومثلها الثقافية والدينية من درس الأزمة وتصحح العادات الخاطئة خصوصا بعدما أثبتت لهم تراجع مفهوم تأطير الحب في يوم ، في بدعة (تجارية) استحدثتها الرأسمالية الصرفة التي ترجمته في الماديات، والتي أعلن التجار فيها بالأمس خسائرهم التي منوا بها جراء تداعيات الأزمة المالية على يوم الحب والتي أثرت ليس على أسعار الفنادق والمطاعم والهدايا الفخمة فحسب بل أقلها الورود كما صرح أحد أصحاب محلاتها في أوروبا اذ انخفضت طلبات شراء الورود بنحو 60 % منذ بداية الأزمة المالية.
برافو......... للأزمة المالية على الأقل على محور من محاور الحياة الاجتماعية لأن عاد مفهوم الزواج وتراجع الخاسرون عن العلاقات العابرة المهزوزة اجتماعيا ، لتحقيق استقرار على الأقل في جانب واحد بعد أن تداعت حياتهم الاقتصادية والعملية.
وقد تشكل في عالم اليوم رصيدا جديدا سيزيد حالات الزواج مجددا ليتوج الحب الشريف القائم في اطاره الطبيعي ليس في الشرق فقط بل في الغرب أيضا.
انه انتصار للطبيعة و لميثاق المودة والرحمة التي لا يمكن ان تختزلها علبة رأسمالية مغلفة باللون الأحمر ، تراجعت قيمتها بتراجع الأسواق المالية، أو قدمت على مضض المديونية.
المشاعر أثمن من أن تشترى بالمال، ولا رهان ماليا على خيارات الوحدة الطبيعية للأسرة وان اجتهد سماسرة الحب في صياغة ألوانه وأيامه.
يتبع.. الأسبوع القادم : الأزمة المالية والتركيبة السكانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق