مداد القلم ... الراية 26 ابريل 2009
قبل الخوض في الإستراتيجية القيادية الحكيمة في فن الإدارة التي ورثنا إياها المتقدمون، لنسأل أنفسنا:
من يصنع من؟ هل يصنع المرء في معترك الحياة اسمه ومكانته؟ أم يصنعه الحظ؟ أم تصنعه الظروف، الموروثات الوالدية، العائلية، المناصب القيادية؟
ومفهوم الصناعة الذي أعنيه هنا هو صناعة الإنسان شخصية وفكرا وعقلا وحنكة وتجربة، ولا اعني بها وراثة الدنيا الزائلة أو المال والجاه.
لعل نظرة سريعة في مشاهير العرب تثبت أن الإنسان الناجح هو من يصنع ذاته بذاته دون الاعتماد على المعطيات الأخرى وإن كانت مساندة في صياغة الشخصية إما إلى العلو أو إلى الدنو.
فقاعدة ليس الفتى من قال هذا أبي ولا من قال هذا نسبي ولا من قال هذا منصبي .
فقاعدة ليس الفتى من قال هذا أبي ولا من قال هذا نسبي ولا من قال هذا منصبي .
مقولة مشهورة جسدت قاعدة سادت عند العرب توضح أهمية كيف يصنع الإنسان ذاته بذاته بقوله: إن الفتى من قال: ها أنا ذا بالطبع بما عكف على أن ينحته ليقرن به اسمه بالعمل لا الصيت والسمعة؟
لنأخذ على ذلك مثالا لا حصرا من تاريخ العرب:
عنترة بن عمرو بن شداد العبسي أحد أشهر شعراء المعلقات العرب في الجاهلية وهو أشهر فرسان العرب وأشعرهم اشتهر بشعر الفروسية.
خرج عنترة في كنف أب من أشراف القوم وأعلاهم نسبًا، ولكن محنته جاءته من ناحية أمه الأَمَة ولم يكن ابن الأمة يلحقه بنسب أبيه إلا إذا برز وأظهر جدارته واستحقاقه للحرية والعتق، والشرف الرفيع، وهذا ما حصل في حال عنترة الذي اشترى حريته بسيفه وترسه ويراعه (لسانه) الشعري، وأثبت أن الإنسان صانع نفسه، وصاحب مصيره، بغض النظر عن أصله وفصله، وجنسه، ولونه وشكله. وفي ذلك يقول:
لا تسقني ماءَ الحياة بذلةٍ
بل فاسقني بالعز كأس الحنظَلِ
ماءُ الحياة بذلةٍ كجهنم
وجهنم بالعزِّ أطيب منزل
وماذا بعد أن صنع اسمه كفارس مغوار؟
لقد وضع إستراتيجيته القيادية التي اشتهرت بقوله:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك
إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
ينبئك من شهد الوقيعة أنني
أغشى الوغى وأعف عند المغنم
بل فاسقني بالعز كأس الحنظَلِ
ماءُ الحياة بذلةٍ كجهنم
وجهنم بالعزِّ أطيب منزل
وماذا بعد أن صنع اسمه كفارس مغوار؟
لقد وضع إستراتيجيته القيادية التي اشتهرت بقوله:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك
إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
ينبئك من شهد الوقيعة أنني
أغشى الوغى وأعف عند المغنم
وبالطبع ،يخاطب ابنة مالك وهي حبيبته عبلة، وما معنى شهود الوقائع؟
إنه من صناديد الحرب والهيجاء، يذود عن الأرض، ويحمي العرض،
وما ميزته عن الباقين التي جسدت لديه المروءة والشهامة والعزة والعلو؟
أنه يعف عن المغنم؟ فالمغنم في قيادة الوغى هي آخر ما يفكر به الفارس خصوصا إذا كان محنكا ومحبا للذود عن قضيته.
إنه من صناديد الحرب والهيجاء، يذود عن الأرض، ويحمي العرض،
وما ميزته عن الباقين التي جسدت لديه المروءة والشهامة والعزة والعلو؟
أنه يعف عن المغنم؟ فالمغنم في قيادة الوغى هي آخر ما يفكر به الفارس خصوصا إذا كان محنكا ومحبا للذود عن قضيته.
ولعل حنكة القيادة لدى عنترة وكونه كمثال لأخلاقية الحرب والنبل والشهامة والحميّة ، هي التي استوجبت استحقاقه تنويه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - عندما تُلي أمامه قول عنترة:
ولقد أبيت على الطوى وأظلّه
حتى أنال به كريم المأكل
فقال الرسول: ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة .
حتى أنال به كريم المأكل
فقال الرسول: ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة .
وفيه يقول صاحب الأغاني:
قال عمر بن الخطاب للحطيئة: كيف كنتم في حربكم؟ قال: كنا ألف فارس حازم. قال: كيف يكون ذلك؟ قال: كان قيس بن زهير فينا، وكان حازمًا فكنا لا نعصيه.
وكان فارسنا عنترة فكنا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم. وكان فينا الربيع بن زياد وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه. وكان فينا عروة بن الورد فكنا نأتم بشعره... إلخ .
ولعل في هذا المثل السالف آية وعلامة على فن الحرب الذي كان يعتمد في العصور القديمة على الرأي والإستراتيجية والقيادة الحكيمة، والشعر التعبئة والقوة القائمة على العنف والغلبة.
أربع علامات على فن الحرب، وهي بلا شك تنسحب على فن الإدارة في الحياة جوانبها الأربع التي قادت ألف فارس حازم وهي التي تسمى في علم الإدارة الحديثة.
تكاملية الأدوار بين الإدارة والقيادة والإستراتيجية والرأي والمشورة والتعبئة الإعلام تكاملية يحكمها روح الفريق لا يشذ فيها دور على آخر أو يستبد به، والجميل فيها كله تناغم الأدوار بين القيادة في وظائفها الأربع وبين المقودين كانوا ألفا أو أقل.
ومن علامات القيادة الإستراتيجية الحكيمة معادلة جميلة سطرها عنترة العبسي عندما قيل له:
أأنت أشجع العرب وأشدها؟ فقال: لا. فقيل: فبماذا شاع هذا في الناس؟
أأنت أشجع العرب وأشدها؟ فقال: لا. فقيل: فبماذا شاع هذا في الناس؟
فقال مقولته الخالدة:
كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزمًا، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزمًا، ولا أدخل إلا موضعًا أرى لي منه مخرجًا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة التي يطير لها قلب الشجاع فأثني عليه فأقتله.
وهذه الأمثلة تؤكد اقتران الحيلة والحنكة في فن القيادة عند العرب والتي يعززها أيضا مثال آخر وهو ما اشتهر به معاوية بن أبي سفيان الذي كانت العرب تضرب به المثل في الحلم والسياسة، و لعلّ أشهرها مصطلح شعرة معاوية، وهو كناية عن حسن السياسة أو الدبلوماسية في المصطلحات الحديثة.
ولذلك كان يقول: إنّي لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها ، الإدارة إذا قيادة والقيادة، مهارة وحنكة يقترن بالاستراتيجيات الأربع السابقة فن وذوق وأخلاق، إنها دبلوماسية أرقى من حسابات التعبئة الجماهيرية الصرفة وأعف من حسابات الكسب والخسارة المادية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق