الأربعاء، 21 أغسطس 2013

وسائل الاتصالات الحديثة والمجتمع المدني

مداد القلم ... الراية 28 يونيو 2009
تمحورت خطبة الحرم المكي الشريف متواترة الشهر الماضي حول آداب وأحكام وسائل الاتصالات الحديثة، وركز فيها الأئمة على وسائل الاتصال بشكل عام كون الاتصال يشمل مختلف الوسائل والوسائط الحديثة في مجال الاتصالات التي غذتها الثورة التكنولوجية والتقنية، والتي يحمد فيها بلا شك حسن استخداماتها، تلك التي وضحتها خطب الحرم المكي الشريف منوهة بأبعاد سوء الاستخدامات الأخرى.
ومما يثلج الصدر أن تتكاتف المؤسسة الدينية مع المؤسسات المجتمعية بشكل مشترك في رسالة متوازية للدعوة لحسن الإفادة من معطيات الاتصالات الحديثة بما يسرته للعالم من خدمات وما أفرزته من تحديات، ومما تجدر الإشارة إليه أن الأئمة في خطب الحرم المكي الشريف قد دعوا إلى وضع خُطط مناهجَ محكمَة واعية ترشِّد حول كيفية استعمالها واستثمارها واستغلالها، وتوازِن بواقعيّة صارمة في أضرارِها وآثارها. و تحد في الوقت ذاته من سلبياتها، وأن تُستَثمَر تلك الأجهزة وَسائِلَ مُهمّة ناجحة في خدمة الدين والمجتمعات إيجابياتها ومصالحها مِن خلال مواقعِ الهواتف المحمولة وشبكاتِ المعلومات الثابتة والمنقولة والمنتديات والمواقع الإلكترونية،، وأن يُستفاد من وسائطها المتعدّدة في تحصين شبابِ الأمة دون الانزلاق في بؤر الشهواِت التي تعصِف بهم والشبهات التي تخلص بهم إلى مراتع التكفير والتنطّع والغلو والتّخريب والعولمة والانفتاح والتغريب بإيجابياتها ومصالحها.
كما دعا اللأئمة إلى ضرورة تكاتف المجتمعاتِ والجامِعات والجمعيّات والمؤسَّسات العامة والمجتمع المدني مع تحديات الاتصالات الحديثة.
مما يلاحظ أن هذه الخطب تأتي في وقت الزخم الإعلامي الذي يعد سلاحا ذا حدين، ويتطلب لذلك جهودا جماعية تحافظ على الفئات الهشة في المجتمع، تلك الجهود الجماعية التي سبقتنا بها الدول المختلفة فيما يتعلق بوضع ضوابط أو نظم مختلفة سواء لتنظيم محتوى وسائل الإعلام أو لتنظيم وقت عرضها حتى لا يطغى الغث على السمين فيمسخ الهوية ويغيب العقول عن مناشط التنمية والتطور.
وما يحمد لقطر أنها أطلقت بمبادرة حملة (نحو فضاء إعلامي مسؤول)، إذ دعت وعملت على التوعية والتثقيف الإعلامي، فضلا عن تبني برامج تدريبية عملية في محو الأمية الإعلامية والتدريب على حسن الإفادة من معطيات التكنولوجيا الحديثة.
المسؤولية في الإعلام قضية دولية جمعية فطنت لها الدول مجتمعة لأن سيناريو الإعلام الجديد طرح تحديات جمة، فدليل منظمة اليونسكو لضبط البث الإعلامي حدد مبادئ أساسية تتمثل بما يلي:
1) دور الإعلام في المسار الديمقراطي.
2) قدرة الإعلام على تعزيز الترويج الثقافي والمصالح والأولويات الوطنية.
3) المصالح الاقتصادية للدولة المعنية.
وتشمل هذه المبادئ مجموعة من المشاغل شأن:  هل ينبغي تطبيق قانون التنافس العام على البث أو يجدر تحصين الإعلام من اقتصاد السوق الحرة نتيجة للاعتبارات الثقافية؟ .
وقد اتبعت عدة دول توجيهات منظمة اليونسكو، لذلك كانت أول كتلة تشكلت كمجموعة دولية لمواجهة ذلك هي الاتحاد الأوروبي في الاتفاقية الأوروبية حول البث التلفزيوني عبر الحدود وهي أول اتفاقية دولية تضع إطاراً قانونياً للبث الحر للبرامج التلفزيونية عبر الحدود في أوروبا وذلك من خلال تطبيق الحد الأدنى من القواعد المشتركة في مجالات مختلفة مثل البرمجة والإعلان والرعاية وحماية بعض الحقوق الفردية.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد أنشئت لجنة الاتصالات الفدرالية (
FCC) كوكالة مستقلة تابعة للحكومة بموجب قانون صادر عن الكونغرس يمنحها صلاحياتها وقام الرؤساء بتعيين أغلبية أعضائها حيث تعمل على تحقيق ستة أهداف استراتيجية في مجالات الإنترنت والمنافسة والطيف الترددي ووسائل الإعلام وأمن الناس وسلامة الأراضي وتحديث لجنة الاتصالات الفدرالية (FCC)، وتقوم بوضع ضوابط وأنظمة للبث والنشر والتوزيع ليس على مستوى القنوات فحسب، بل يسعى الكونغرس إلى توسيع نطاق الضوابط المفروضة لتطال بشكل مباشر خدمات الشركات المزودة للقنوات الفضائية.
في بريطانيا قامت الهيئة البريطانية لتنظيم الاتصالات (
Ofcom) بموجب قانون الاتصالات لعام 2003 المعروف  بقانون أوفكوم للبث بتنظيم محتوى البث بالشكل الصحيح آخذةً "المعايير الاجتماعية" بعين الاعتبار للحماية من المحتويات المخلة بالأخلاق أو الأمن الوطني.
هذه مجرد أمثلة أي غيض من فيض عالمي في مجال الحماية من الفرصنة الفكرية الستالايتية او السيبرنتية، إننا نفخر بأن الوعي القطري للتكاتف في مواجهة سلبيات الإعلام على النطاق الخليجي والعربي قد بدأ مبكرا.
هذا ويشكل الوعي الإسلامي الجمعي له أمرا بالغ الأهمية خصوصا إذا جاءت الدعوة من منبر الحرم المكي الشريف لتقرع أجراس الإنذار أمام المجتمع الإسلامي كله للإفادة حتما من معطيات التكنولوجيا والإعلام الحديثة ولكن بالشكل الذي لا تستباح به العقول والأجساد.
إن الإعلام الاحترافي والمسؤولية الأخلاقية في الإعلام وعي جمعي عالمي بذنا فيه غيرنا فكانوا الأجدر لقيادة دفة التدفق الإعلامي العالمي، لأنهم عرفوا كيف يصونوا مجتمعاتهم قبل الاختراق الدولي الكاسح.
العالم العربي بحاجة إلى نظم مماثلة في مجال الإعلام، فأنظمتهم سابقة جيدة للتأسي (والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق