الخميس، 22 أغسطس 2013

فضائيات مشبوهة


مداد القلم..الراية 25 يناير 2009
لا أقصد تلك التي غمز ولمز بها بعض العرب الذين تفننوا في محاربة قنوات الكلمة والصورة الواقعية الحرة المعبرة عن قضايا الأمة بقولهم:
"ثم أشاهد بلدا نصفه قاعدة أمريكية والنصف الثاني قناة فضائية مشبوهة"
ونحن نعلم من يقصدون.
 ولكنني أعجب كيف يغفل العرب القنوات المشبوهة الممولة بأموال عربية وتبث من أقمارها ومدنها لتغيب الفكر العربي عن قضاياه المصيرية بالهائهم في عالمين، العالم العلوي الخرافي الميتافيزيقي، أو العالم السفلي الرخيص. وفي الاثنين ضياع لجيل وامة وعقيدة.
يقيم الوطن العربي الدنيا ولا يقعدها على التغطيات الإعلامية لقنوات لزمت حيادية صدق تغطية الحروب على أمتنا وسط المؤامرات التي يكيل فيها العدو على المسلمين جام حقده وتصفياته ليست السياسية فحسب بل والمدنية أيضا لشعب أعزل.
 بل ويحرك وطننا العربي الأصيل أدواته لتحجيم القنوات الإخبارية وتجريم عملها وتكريس استخدامه ادوات لشق الصف العربي ووحدته، بينما -ومن المفارقة- أن هناك فضائيات مشبوهة تدس للمشاهد العربي السم في الدسم، تغيب عقله ووجدانه، تلغي هويته بل وكرامته ونخوته دون أن تجد من يناوئها او حتى ينتقدها تفرغا للعبة أو حبكة السياسة المرسومة للتطبيع بأجندة جهنمية ممالئة لفضائيات تعبىء فضاء تجاريا يقول: هل من مزيد؟؟.
والأجدر بنا كأمة مستقبلة ومستهلكة للإعلام أن نسأل انفسنا أين كان إعلامنا العبثي الجسدي عندما يمجد صورة الجسد في أدنى المشاهد الغرائزية البهيمية، ويستنكر عرض نزع أرواح بريئة خلفتها الحرب والاعتداءات المجرمة على المسلمين العزل؟
كيف نحمي الفضاء من الهوس الإعلامي التجاري؟ ومن لغة الجسد الرخيص والإغواء؟ ولغة اللعب على أوتار القلوب؟ والمرض والدجل النفسي؟  وأوتار نظرية المؤامرة؟
تلك الصور التي شحذت العقول بجهل مركب ليس لأميين فحسب بل لمتعلمين وجامعيين  ولكن للأسف متخلفون، إذ تستغل شاشة بمؤثرات من فيها ضعف إيمانهم  ووعيهم إما لتلبية نداء الجسد والعالم السفلي  الغرائزي بما يحفه من شهوات.
 أو نداء عقل أجوف ألغى الفكر ليسلط قرناءه ليفكروا عنه محولا سلوكيات البشر إلى نيات حاقدة ضده توجهه إلى ساحر أو دجال أو مدعٍ للطب على فضائية يسقيهم دواء هو الداء، ويعزز الوهم لديهم ويفاقم من أزمة ابتلي بها عالمنا العربي من التشبث بالروحانيات التي ترد مغبة أي حادثة عابرة إلى العمل والسحر والدجل والشعوذة  فتنحي أصحابها إلى الجهل واللجوء لبياعي الوهم، وإلى البراءة من الله ورسوله والتشبث بمشعوذين ينتحلون شخصيات "رجال دين" والدين منهم براء، يزكونهم  بطلاسم وترانيم نفاثي العقد لينفثوا بها. وتحجم فكر أمة سماها الله - خير امة أخرجت للناس- مصدرا لها بلفظ  "كنتم" .
طفح غثاء الفضائيات العربية التجارية، وضح منها جليا من عزف على اوتار الجسد عزفا صريحا، ومن عزف على وتيرة السحر والشعوذة العلنية، واستخفت بعقول مشاهدينا أكاديميات تعلم مهارات هز الوسط، والنوم في الشوارع، وهتك أسرار البيوت في البرامج الفضائحية، وبعض المتخفين من مدعي الطب والدين.
أما الأخريات المشبوهة فهي أخطر إذ تخرج بمسميات حميمة، توحي بأنها صديقة للجمهور والمجتمع، لم يسلم منها أحد أو قطر ، قنوات تدعي خدمة الدين والأخلاق وحماية الشباب والمجتمع، فتشوه صورة مجتمعاتها مستعرضة الحالات الشاذة النادرة على أنها ظواهر تستخدم مفردات مجتمعها متقلدين لباس الدين والحشمة والدين منهم بريء ومستخدمين أفراده للإدلاء بشهادات باطلة مزورة، تغطي مستخدميها لأغراضها لم تتجرأ أن تفصح عن أسمائهم أو وجوههم ، وحتى في تغطية الوجه التي قد تستخدم في بعض حالات الإعلام ، لم تحسن استخدام أبجديات الإعلام وأخلاقياته لا في المحتوى ولا الصورة ولا المضمون ولا احترمت ذوق المشاهد في رقي الكلمة المنطوقة، فكل ذلك تخصص واحتراف مهني لم يتقنه تجار الكلمة وعبيد صناعة المال من جوف الشهوة.
وماذا تظنون بالأسد؟ وماذا تعرفون عنه؟ أوليس بملك الغابة؟ رمز القوة، الذي لم نعرف عنه منذ طفولتنا إلا القوة والسيطرة ،حتى الشعراء تغنوا وتفننوا في مدحه...... 
المتنبي صنع  له أسطورة لم تتجاوزها عيوننا ولا مخيلتنا:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة              فلا تظنن أن الليث يبتسم
لقد تحول  ملك الغابة  في الفضائيات المشبوهة التي نحسبها على البراءة  إلى حيوان مثلي يعاف لبوته ليستهوي أسدا مثله في رسوم كارتونية تقدم لأطفالنا نحسبها مشاهد بريئة؟؟
لو علم المتنبي لضج من قبره،  انتكس الأسد، وابتسم،  فاهتز العرين.... فاستبيحت غابته.
مجرد غيض من فيض..................... يمسخ الأجيال...........
 كل ذلك والعالم يستنكر، من أين لنا هذا الطفح الإعلامي؟ ومن يرخص لمثل هذه القنوات المشبوهة؟ ومن أين تستمد قوتها لتقدم مثل هذا الغثاء؟ ومن الذي يضمن لها استمرارها؟
 إنهم أولئك المقتاتون على أخلاق الأمة، أو المتفرغون لمناهضة  ومهاجمة القنوات الإخبارية بثا للفرقة والشتات فقط في مناوءات سياسية عربية- عربية وللأسف.
وجزء من شرعية بقائها يعود لنا نحن الجمهور من يجهل أن له أحقية التقدم بشكاوى أمام من رخص لها ولمثيلاتها المخلة والمنتهكة الآداب العامة، والجزء الآخر يقع على سلبية المشاهد العربي.
وفي كل ذلك، لا نعلم بعد غثاء الفضائيات الهابطة والمشبوهة في الوطن العربي، هل سيتنبه العرب إلى عرينهم  قبل أن تشوه هوية المجتمعات وتغيب معالم الجنسين في تطبيع وتمييع أخلاقي منظم يستهدف العقل تحترفه قنوات مشبوهة صريحة وخفية وموجهة.
نامل أن يحرك وطننا العربي الأصيل أدواته لتحجيم قنوات الرذيلة والفسق بنفس القوة التي ينتهجها على أقرانه في المناوشات الإعلامية السياسية الفضائية؟
وتلك لعمري........ قوة لن تتأتى إلا لمن ملك العرين على قاعدة المتنبي بالطبع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق