مداد القلم ... الراية 7 يونيو 2009
هكذا بدأ أوباما خطبته تسبقها ابتسامة عريضة مذكرا العرب والمسلمين ان اسمه الوسط حسين، مستهلا قلوبهم باعتراف قلما نطقها لسان حاكم أمريكي بقوله:
كم هي الحضاراتُ مَدينةٌ للإسلام وسط قاهرة المعز، البلد الإسلامية المليونية الزاخرة بالحضارة والتاريخ، مستخدما بذكاء الخصائص الإعلامية للخطبة الإسلامية والتي تتميز في علم الاتصال بالحماسة والعاطفية ويتميز شعوبها بالشفوية والسمعية تأثرا بالكلمة المنطوقة العاطفية أكثر مما تتأثر بما تسرده الكلمة المكتوبة أو حتي المنطوقة من حجج او منطق او براهين وأدلة، أو حتي خطط عمل وبرامج منهجية يدلك علي ذلك التصفيق الحار الذي حظيت به الخطبة من جمهور المستمعين في العالم الإسلامي خصوصا وإن العواطف الدينية والاقتباس الذكي من آي القرآن الكريم قد أذكاها بالشكل الذي انتظرنا أن نسمع بعده كلمة الله أكبر كعادة العرب.
الخطبة العاطفية تضمنت بلا شك حنكة دبلوماسية وتاريخية تجاوزت مقولة رعناء سابقة من لم يكن معنا فهو ضدنا ، أي مقولة خلقت أعداء للولايات، كما اعترفت ببعض الأخطاء التي ارتكبتها الولايات، وأكد فيها علي حقوق الفلسطينيين وضرورة توقف إسرائيل عن عملية التهويد والحديث العام عن السلام ولكن دون وضع حلول أو مقترح او خطة.
أي ان الخطاب في هذا الشأن كان عاما يستحق فقط الإشادة العاطفية دون العقلية بداية والتصفيق له فقط في هذه المرحلة إلي ان تثبته المرحلة اللاحقة ، كونه يعبر عن آمال ورؤي ربما يكون الكثير منها بعيد المدي او لا يحمل برنامجاً أو خطة قابلة للتطبيق علي أرض الواقع، رغم اهميته وانتظار الكثير له حتي علي الصعيد العملي.
ولعل عدم ذكر الإرهاب في خطابه مؤشر لصفحة جديدة لتحقيق مكسب سياسي في العلاقات الدولية من حيث ذكاء صياغته في تفهم عمق الدلالة السلبية لمفهوم الإرهاب كونه اتهاماً سابقاً ودمغة مصطلح سلبي أسبغته الإدارة السابقة علي الإسلام، والذي وسع بلا شك نطاق انتزاع أمريكا حقا غير مشروع في استخدام المصطلح كحق للحرب وتوسيع دائرة العنف ضد الآخر.
خصوصا أن خطاب أوباما قد عزز أهمية استناد الشراكة بين أمريكا والإسلام علي صورة الإسلام الصحيح.
ولعل ذكر عدم الاستمرار في كل من العراق وأفغانستان يفسران عدم الرغبة في الاستمرار في جني الخسائر البشرية بعد تحقيق المكاسب الأخري لطرف في حرب غير عادلة أسماها اوباما الحرب بالاختيار ، وهي - كما نعلم - حرب غير عادلة شنتها الإدارة السابقة ليس لتحقيق الديمقراطية المزعومة ولكن لتكريس أهداف اخري بذريعة الديمقراطية بالإجبار فكانت بآلة الحرب والدمار.
لذلك تدارك خطاب اوباما ذلك الخطأ التاريخي القاتل ممن سبقه مؤكدا علي ضرورة التزام أمريكا بالديمقراطية عامة دون فرض بلد لنموذجَ حكمٍ علي بلد آخر .
وفي ضمان حقوق المرأة ، يحمد لأوباما براعة استخدام حقوق الممارسات الدينية في الحقوق المدنية والاجتماعية في مبدأ الديمقراطية كدعوته إلي احترام الحجاب ومعارضة فرض الغربيين نوع اللباس الذي علي المرأة أن ترتديه .
ولعل تلك الجرأة محمودة وخصوصية توجيه الخطاب فيها للغرب خصوصا ان تعددية الأديان وممارساتها متاحة ومحترمة في الولايات، وحلقة معاداة الحجاب بدأت في الغرب،وهذا ما لمح له أوباما.
وأعتقد أن المباركة والترحيب اللذين حظي بهما خطاب اوباما حتي في مجال حقوق المرأة وتمثيل الحجاب نموذجا علي وجه الخصوص يكتنفها ذكاء دراسة الشعوب الإسلامية فيما يخص حتي شؤون المرأة، ناهيك عن الاستفادة من درس ما اكتنفته محاربته في اوروبا من ثورة إسلامية شعبية علي معترضيه.
خطاب اوباما التاريخي أعد له إعلاميا واتصاليا بحنكة ليس فقط في المضمون فحسب، بل في وسائل وقنوات توصيله للعالم اجمع فقد ترجم مباشرة إلي 13 لغة خلال ساعات من إلقائه، وبث علي مواقع الإنترنت واليوتيوب والفيس بوك متضمنا بريدا خاصا وارقاما للخارجية الأمريكية لبث رسائل حول الخطاب واستقبالها، وقبله تم إنشاء موقع خاص للخطاب علي موقع الحكومة الأمريكية بعنوان بداية جديدة: التواصل مع العالم الإسلامي ضمت تسجيلا للخطاب ووثائق عن سياسات اوباما التي تهم المسلمين، وسرد التزاماته تجاه السلام والشرق الأوسط في تقرير باسم الوفاء بوعد التغيير .
استخدم الخطاب كل الوسائل ليصل إلي فئاته ولكن العناوين لا زالت تحمل كلمات التواصل مع العالم الإسلامي أو الوعود بالتغيير ، وهي حقا وعود طموحة، ولكننا ننتظر منه برامج وخطط عمل تصدق الوعود حتي تلتقي خصائص الخطاب الاتصالي للمسلمين بالتنفيذ الواقعي المرتقب.
وختاما،،
ربما توشح خطاب أوباما بالبركة اقتباسا من اسمه الأول باراك ومن اسم رئيس بلد الاستقبال مبارك . وان لم يكن للأسماء شأن في التحليل السياسي، ولكن لعلنا نستخدمها تندرا - وفقا للخصائص الروحانية لكثير من الشعوب الإسلامية - التي درجت علي التشبث بالتيمن والطالع والحظ وقراءة الغيبيات أملا وتبركا ببركة مقتبسة من اسميهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق