الخميس، 22 أغسطس 2013

مجنون ليلى بين الطب والأدب

مداد القلم ... الراية   17 مايو 2009
هذا العنوان هو لمؤلف يعد أحد روائع الدكتور حجر أحمد حجر البنعلي ، وزير الصحة القطري الأسبق الذي تخصص في أمراض القلب ومارس الاستشارة الطبية فيها لعقود ولا يزال رئيسا لجمعية القلب الخليجية.
سواء أسميناه الطبيب الأديب أم أسميناه الأديب الطبيب!
فكلنا يعلم شاعرية الدكتور حجر، وافتتانه بالأدب الذي أسهم في إثراء الساحة الأدبية العربية بمؤلفاته الأدبية الفصيحة شعرا وأدبا ونثرا.
لقد تناول موضوعا ليس بجديد بل هو أزلي، وهو الحب، وقصة ذائعة الشهرة وقد تكون مستهلكة وهي قصة المجنون الذي مات بما وصف انه  داء العشق .
والبراعة في التأليف الأدبي لا تكمن في جدة الموضوع أو قدمه بقدر ما تكون في براعة وجودة الطرح وجدة زاوية التناول التي استطاع من خلالها طبيب أديب أن يخترق عالم المثل  الحب  ليمزجه بعالم الواقع  الطب  دارسا وباحثا ومحللا وشارحا ومشخصا ومستفيدا ومفيدا من تخصصه في اسباغه على حالة طبية ونفسية وجسدية استنبطها من أشعار شاعر عاشق قدم لها بقوله:
فلن يضر طبيبا فحص أفئدة
نالت من العشق أصنافا من الكرب
قد يكشف الشعر للمختص معضلة غابت عن الفهم آلافا من الحقب ولعله أعلن منذ صغره تعاطفه مع العاشق فبكى عندما سمع قصته في إحدى جلسات رواية القصص للأطفال من قبل الأمهات، فرق قلبه له واختزنته ذاكرته حتى عبر عن موقف طفولي جسده في شعره في لامية الخليج بقوله:
ولما بكى قيس بكيت لحاله
وقد أرغمت ليلاه قهرا على بعل
فسالت دموعي لوعة وتفطرا
لأن لهيب العشق يا ويله يصلي
وقد لاحظت بعض النساء بمقلتي
دموعا لوقع الشعر تطفح كالسيل
وقالت لك النسوان: يا أم عاشق
صغيرك ذو عشق وما العشق للطفل
فلم تنصف النسوان إحساس شاعر
بآلام عشاق بكت عينهم قبلي
ولعل حجر أفاد من هذه التجربة فأثمرت مؤلفات مستقبلا، وينعى على الأجيال الجديدة اليوم فقدانهم فن الاستماع للرواية العربية وأثرها على الملكة والذائقة.
إننا سعداء ببراعة تقديم حجر لنا ل  المجنون  و العشق  من زاوية أخرى تثري عقولنا بمعارف طبية متخصصة غائبة عنا كأفراد عاديين ومجرد متذوقين للشعر العربي.
الكتاب لم يكن سردا تاريخيا، ولا أدبيا بحتا كغيره بل جمع حصادا ثريا من التاريخ والأدب العربي والأدب المقارن والفلسفة وعلم النفس والاجتماع والطب.  فضلا عن طرحه لقصص مماثلة شبيهة في قطر والخليج مؤكدا على متلازمة طبية للعشق المفسرة أعراضه إكلينيكيا، مدافعا عن تهمة ألصقت بقيس وهو بريء منها  وهي الموت ب  الجنون ، مفندا ذلك أيضا بتفسيره الدقيق للمعاني المشهورة للحب والتعلق عند العرب والتي تصل إلى حد الهيام الذي يكاد أن يسلب المحب عقله.
المؤلَف فصل حسما الاختلافات بين درجات الحب وأنواعه فضلا عن أنواع الأمراض والعوارض الخاصة به موضحا موقعها جميعا في الطب الحديث ، مفسرا ليس الظواهر فحسب بل ما يسببها من إفرازات الغدد من هرمونات، وما يخالط الأعراض الجسدية من نفسية أو نفسجمية موضحا اثر الحب سواء على الصحة او المرض.
الطبيب في رائعته الأدبية أدخل قيسا غرفة التشريح، وشرح وحلل له أبياتا عميقة الدلالة على مرضه العضوي  القلب  الذي عاناه من فرط العشق، حيث وجدت هذه الأبيات في رقعة في ثياب المجنون  طويت داخلها ووجدت بها عند وفاته عندما أريد غسله، وفسرت ألم القلب واعتصاره فيما لم يعرفه الطب الحديث إلا على يد الدكتور البريطاني وليم هبردين في القرن الثامن عشر فيما يسمى ب الذبحة الصدرية  أو  الاختناق القلبي .
المهم في ذلك كله أن مؤلَف الدكتور حجر يعد إضافة أدبية وعلمية وثقافية وفكرية للمكتبة العربية نتمنى أن تكون مفتاحا لكتابات أخرى وإلهاما لمبدعين متخصصين يربطون الأدب بالحياة والاجتماع في مختلف المجالات.
خصوصا وإن دولة قطر مقبلة على ان تكون عاصمة للثقافة العربية فيجوز أن تحتفي العام القادم بتشجيع مثل هذه المؤلفات والإبداعات الفكرية المثرية الراقية المضمون والتناول لتضيف تميزا في حركة التأليف القائم على الموروثات الأصيلة بجدة الطرح.
مؤلَف يعول أيضا - بطريقة غير مباشرة - على أهمية رواية القصص للصغار لإعادة الروح للجيل الجديد المنعكف على الانترنت والشات بلغة مستحدثة فحسب دون أن يكون للأدب واللغة أو الذائقة أو التراث المادي الشفوي والمنقول من يحيي فيه روح قصص عنتره وسيف بن ذي يزن والزير سالم وألف ليلة وليلة سواء في الأسرة أو المدرسة حتى تختزن لنا الأيام إرهاصات إبداعات مستقبلية نرتجيها بين أطفالنا لأدباء واعدين.
مؤلف يجيب على تساؤلات عدة ويفرز تساؤلات أخرى بديعة بين الطب والمثل والمشاعر والأدب، نتمنى فيها على حجر إجابتها في رد صحفي أدبي قبل أن يقتضيها بحث آخر مطول.
والتساؤلات، لماذا يطيب للبعض تلوين القلب، فيطلق على القلب قلبا أبيض، وقلبا أسود، وقلبا أخضر؟ أو سرد أحجام له فيقال: فلان قلبه كبير، قلبه وسيع.
هل لألوان القلوب وأحجامها دلالات في الطب أو التفسير العضوي أو التفسير النفسي؟ أم هي مجرد إشارات بلاغية من لوازم المجاز اللغوي عند العرب؟
ثم: إذا كنتم قد حللتم أثر الحب أو اثر العشق على القلب وطبعا كما أوضحتم هما مفهومان مختلفان في الأعراض والأثر، فهل سنجد لكم مؤلفا أدبيا رفيعا في أثر الكراهية، الحسد والحقد على القلوب وعلى حياة الإنسان بصفة عامة؟ ربما يصل بتحليل شعر شعراء اشتهروا فقط بالهجاء المستمر دون غيره من فنون الشعر.
وفي حالة الحزن والكمد واليأس أو الصدمات النفسية المفاجئة، هل يصاب القلب بالكدمات مثله مثل باقي أعضاء الجسد فيتلون أو يتحول أجزاء منه إلى بقع دموية أو سوداء؟ وهل يصاب القلب بالشيخوخة؟
وهل يؤدي الحزن والكمد إلى حدوث أورام في القلب مثله مثل باقي أعضاء الجسد؟
وما معنى قول العرب في الكناية عن الإهمال والنسيان وعدم الاكثرات:  فلان قلبه ميت .
وإذا كان البعض تندرا بسرد أجزاء القلب يخضع محبوبه في مواقع القلب من  جوف  أو  حشاشة  أو  بطين  أو اثنين أو  أذين  أو اثنين أو غيره، فهل يقع المحب بالفعل موقعا بذاته في القلب؟ وكيف يجد المرء المحب إذا كان فيما يسمى سويداء القلب أو في موقع آخر؟ أم يسيطر على القلب كله؟ وما الإشارات بين القلب والعقل؟ وما موقف الروح بينهما؟
وفي كل غرف القلب كما يصفها العامة:
هل يتسع القلب لحب أكثر من فرد في ذات الوقت فيما يتعلق بالحب العاطفي؟ وهل لجنس الإنسان علاقة بقلبه: بمعنى هل قلب الرجل يختلف عن قلب المرأة، فيتسع لأكثر مما يتسع له قلب المرأة، أو العكس؟
وهل وقع الأمور  الفرح أو الصدمات  على قلب المرأة أقسى من وقعها على قلب الرجل، احتكاما إلى قاعدة مفادها: إن عاطفة المرأة تغلب عقلها؟
وأخيرا : من المسؤول الأول عن الحب.. القلب أم العقل؟
شجون أدبية ، طبية، فنية أثارتها رائعة حجر، تنتظر التشخيص حسب وعدكم في تصديركم للكتاب بشعركم:
من نال علما أو كتابا نافعا
سبق الأنام إلى الثراء ثراء
صيرت تشخيصي القصائد همتي
حتى كشفت عن الغموض غطاء
أسئلتنا تنتظر كشف غموضها، وإثراءنا بثرائكم المتخصص طبيبنا الأديب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق