الخميس، 22 أغسطس 2013

المسؤولية الاجتماعية للشركات وللفضائيات

مداد القلم.. الراية 1 مارس 2009
يتنامى الحديث اليوم عن المسؤولية الاجتماعية للأعمال التجارية خصوصا بعد سيادة قيم الربحية في تهميش متفاقم للقيم المجتمعية، زاده حدة وصول العالم إلى أزمة مالية ذريعة قادت المجتمعات إلى انهيارات اقتصادية نظرا لعدم تصرف قطاع الأعمال على نحو مسؤول وعدم الالتزام بما يعرف بالمبادئ الأخلاقية للعمل التجاري. 
 عرّف مجلس الأعمال للتنمية المستدامة المسؤولية الاجتماعية على أنها "الإلتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل."
وعلى الصعيد المحلي دعا وزير الأعمال والتجارة  في كلمته للمؤتمر الأول من نوعه في قطر الأسبوع الماضي إلى تأسيس مؤشر للمسؤولية الاجتماعية للشركات القطرية، لقياس أدائها ودرجة تحملها لمسؤوليتها الاجتماعية استنادا إلى معايير دقيقة، على ان يتم منح الشركات ذات الأداء الأفضل جوائز سنوية تقديرا لأدائها وتحفيزا لغيرها لنهج نفس السلوك.
وإذ نحيي وزارة الأعمال على احتضان التجارة لأخلاق المجتمع، خصوصا بعد إرادة الوزارة مشكورة خلق التنافسية بين المؤسسات بتقدير جائزة سنوية لتحفيز هذا السلوك البنّاء بين مختلف قطاعات الأعمال في قطر.
ونظرا لعالمية توجه هذا المؤتمر الذي أكد على ضرورة ألا تتعلق الأعمال بتحقيق الأرباح رغم مشروعية ذلك، ولكن بوضع الأهداف الكلية للمجتمع نصب العين،  خصوصا وإن المسؤولية الاجتماعية تستند في جوهرها إلى المبادئ العشرة لأخلاقيات العمل التجاري التي أقرتها الأمم المتحدة قبل نحو خمس سنوات والتي تدعو من خلالها الشركات والمنظمات التجارية إلى الالتزام بمبادئ في العمل التجاري تأخذ في الحسبان الحفاظ على البيئة وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد وتحسين نوعية الحياة للمحيط الذي تعمل فيه الشركات .
وتتلخص فلسفة الاتفاق العالمي في بيان شفافية المؤسسات في تعاملاتها وتوضيح حقيقة مصلحة هذه المؤسسات في تعاونها مع القوى العاملة ومؤسسات المجتمع المدني في العمل معا من أجل تحقيق المبادىء والأسس الإنسانية والمجتمعية.
نتمنى أن تمتد رسالة هذا المؤتمر لتشمل تلك المبادىء العالمية العشرة في القطاع التجاري،  قطاع الفضائيات الخاصة التي لم تعد عملا إعلاميا بحتا بقدر ما هي متاجرة ربحية بالمال (أي شركات تجارية) كثير منها يشق رخصته - لا رسالته-  لتحقيق أرباح تنتهك أخلاق المجتمع دون أدنى نسبة من تحقيق المسؤولية الاجتماعية التي هي في الإعلام أحد أهم نظرياته.
 وقد ظهرت نظرية المسؤولية الاجتماعية Social Responsibility Theory   في مجال الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تقرير نشر عام 1947 بواسطة لجنة هوتشينز بهدف وضع ضوابط أخلاقية للصحافة والتوفيق بين حرية الإعلام والمسؤولية الاجتماعية في المجتمعات الليبرالية بسبب الاستخدام الخاطئ لمفهوم الحرية، في وسائل الإعلام ..  سواء كان من قبل ملاّك تلك الوسائل أو من قبل ( الإعلاميين ) أنفسهم. فقد أفرطت نظرية الحرية الإعلامية  Freedom Theory في إعلاء حرية الفرد على حساب مصلحة المجتمع، وتحول الإعلام إلى صناعة وسلعة تضحي بقيم المجتمع.
 للفرد حق، وللمجتمع أيضاً حقوق، ، والمؤسسة الإعلامية مثلها مثل المؤسسات الاجتماعية، لا بد أن تسعى لخدمة الصالح العام وتضطلع بمهام و وظائف اجتماعية جوهرية في حياة الناس.. ولها دور تربوي وتثقيفي، فلابد من أن تضع مستويات مهنية للصدق والموضوعية والتوازن وتجنب أي شيء يؤدي إلى الفوضى ، كما ينبغي أن تكون تعددية تعكس تنوع الآراء والأفكار في المجتمع فهناك خيط رفيع بين الحرية والفوضى الأخلاقية فللفرد الحق في أن  يكتب، وينشر، ويبث ما يريد  بشرط المحافظة على قيم المجتمع ومصلحته وأمنه..
مؤتمر المسؤولية الاجتماعية للشركات مهم، ورغم أنه لم تصلني دعوة رسمية لحضور المؤتمر ربما لأنني بعيدة كل البعد عن قطاع المال والأعمال والتجارة ، حضرته لحرصي على هذا المفهوم كونه مهما لكل فرد من أفراد المجتمع أولا، ثانيا لكوني كاتبة مثل غيري من الكتاب والكاتبات تهمنا قضايا الشأن العام و مهتمة بضرورات تأطير الربحية في حلقة أخلاق المجتمع،  وأخيرا وهو الأهم ، اتحاد أهداف واندماج قضيتنا الإعلامية في دولة قطر ممثلة بمبادرة صاحبة السمو في حملة (نحو فضاء إعلامي مسؤول) واتساق أهدافها مع الأهداف العالمية الممثلة في (مؤتمر المسؤولية الاجتماعية للشركات)  في ضرورة عدم التضحية بأخلاق المجتمع في سبيل تحقيق الربحية من الفضائيات التي أصبحت في عرف عالم اليوم (شركات تجارية ) تمنح ترخيصا لمرابحين وتجار  في سوق حرة دون معايير أخلاقية لما يقدم من غث أو سمين.
 ثم على صعيد قطر،  يجب ألا ننسى  أننا مقبلون على رخص تجارية ستقدم قريبا لفضائيات خاصة قد يخرج منها سمين وقد تفاجئنا بالغث إذا خضعت فقط لسوق حرة وإذا لم يؤطر لها وفق نظرية المسؤولية المجتمعية.
ندعو إلى تعميم جائزة أخلاقية عالمية تنافسية محمودة في مجال شركات الأقمار والمدن الإعلامية والقنوات الفضائية الحكومية خصوصا وإن الأمم المتحدة وضعت وناقشت المبادىء العشرة لأخلاقيات سوق السلع، دون أن تضع أو تناقش سوق الفضائيات ذات المزاد الربحي المقتات على الأخلاق.
 سعداء اليوم بالتوأمة الحاصلة بين النظريتين في الاقتصاد والتجارة و في الإعلام، ولكن المحزن أن نظريات المسؤولية الاجتماعية لا تصل لها المجتمعات إلا بعد الأزمات.
درس الأزمة المالية في مجا ل الاقتصاد  مفيد، وفي الإعلام تجدر الوقاية قبل العلاج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق