مداد القلم ... الراية 4 أكتوبر 2009
احتلت دولة قطر المركز الأول عربيا و 28 عالميا في التقرير الدولي لمحاربة الفساد لعام 2009 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية مؤخرا.
ولعل السعادة تغمرنا كمواطنين قطريين وموظفين أن تحتل قطر هذه المرتبة علي المستويين، لأنها قد تعيد ثقتنا في هيبة القانون وسطوته علي المخالفات الإدارية والمالية التي تحدث في عدد من الأجهزة، ولكننا في الوقت نفسه ننعي في ظل ما نقرأه أو نسمعه أو ربما نلاحظه الوضع الراهن في مستوي الفساد، والذي قد لا تقل فيه قطر عن غيرها من استشراء الفساد في كثير من أجهزتها.
لذلك فهي سعادة تقارير مشوبة بالقلق والتوجس عند مقارنتها بالواقع، نتمني فيها أن تكون التقارير الصادرة عن منظمة الشفافية قد اعتمدت أيضا في مسحها وتقديراتها علي تقارير شفافة ونزيهة كلية لا يغيب فيها القانون أو مؤسسات مراقبة الشفافية والنزاهة ولم تستبعد في بيان تقاريرها الجهات المحاسبية المركزية عن أي جهاز أو مؤسسة في أي قطر.
خصوصا أن الفساد متعدد وفقا لمفهومه لدي صندوق النقد الدولي فإنه سوء استخدام السلطة العامة من أجل الحصول علي مكسب خاص وسوء استغلال الموظف العام لموقع عمله وصلاحياته للحصول علي كسب غير مشروع أو منافع شخصية يتعذر تحقيقها بطريقة مشروعة.
والملاحظ ان الفساد الإداري غدا واضحا في العالم في السنوات الأخيرة أكثر من ذي قبل واستشري بما أذكته عوامل عدة يعاني منها كل قطر من الرشوة والعمولات والمحاباة، الاختلاس، سوء استخدام المال العام، الابتزاز الإداري، المحسوبية والمصالح المشتركة بين صناع القرار والموظفين، تعيين الشخص غير المناسب في الوظيفة العامة للسكوت وتحقيق منافع متبادلة، سوء توزيع الثروة وتدني مستوي الدخل الفردي عن العمل الشريف، دخول الشركات الأجنبية السرية منها والعلنية في العمل الإداري ودخول الشركاء المحليين لهم وتنصيب المصالح الفردية علي المصالح الوطنية في المشروعات والبرامج، وضعف أجهزة الرقابة وفسادها وتخلف الإجراءات الإدارية وتقاعس الجهات المحاسبية عن أداء دورها أو تغييبها عنوة عن الرقابة علي كثير من الأجهزة وتغييب سلطة القانون.
وفي ظل تغييب سلطة القانون أو إبعاد جهات الرقابة والمحاسبية عن الفساد المالي يسود الفساد الإداري حتي بين الموظفين فيحدث الخلل كما يستشري أمر أكثر أسوا من ذلك الا وهو إبعاد من يحاول كشف الفساد عن الوظيفة العامة في مفارقة لجزائه المفترض مكافأة علي أمانته الوظيفية وهذه قمة الفساد الرأسي، وأما لمن أراد السلامة في وظيفته فيضطر إلي ان يكون فاسدا غير مباشر بأن يلجأ للمشاركة في الفساد "تقاسم الكعكة" أو السكوت عنه وعن تبعاته "غض الطرف" ما يؤدي إلي استشرائه وفي هذا تغليب للمصلحة الفردية علي المصلحة العامة والوطنية.
اما الوجه المنتشر دونما محاسبة فهو تصارع المصالح إذ ازداد في الآونة الأخيرة خصوصا مع دخول الشركات الأجنبية بشراكات محلية، وترسية المناقصات علي المنتفعين في مخالفة للنظم واللوائح القانونية والإدارية تغاضيا أو تماديا وعدم الكشف عن ذلك إلا بعد التنفيذ أو حدوث خلافات بين الشركاء، واستمراء الجهات صاحبة القرار في كثير من الأحيان في إبقاء المخالفين في الوظيفة العامة دونما محاسبة تغليبا لمصالح متداخلة كبري.
والمشكلة الكبري في الفساد هي محاسبة الموظف الصغير وترك المسؤول الأول عن الفساد، لذلك غالبا ما يقدم الصغار كبش فداء لغيرهم، لذلك علينا أن نتأسي بقوله (صلي الله عليه وسلم): (وإنما أهلك من كان قبلكم أنهم كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.)
مثال بسيط علي السرقة ولكن من أعظم عظيم يسطر فيه (صلي الله عليه وسلم) سنة في قاعدة عامة لمحاربة الفساد والمحاسبة عليه، فسلطة القانون وتطبيقه علي الجميع، الشرفاء وغيرهم، أعلي الهرم الوظيفي أو أدناه، صناع القرار ومطبقوه، وتطبيق قانون المحاسبية والتدقيق يجب أن تسري علي جميع المؤسسات دون استثناء مع عدم مواربتها أو اخفائها عن عين العدالة أو أعين الشفافية حتي لا تفقد مصداقية الجميع.. سعداء بالمركز الأول في النزاهة والشفافية عربيا، ولكن مازال أمامنا الكثير لردم بؤر الفساد، ولاستحقاق اللقب عن جدارة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق