الأربعاء، 21 أغسطس 2013

المرأة والزواج في السياسة السكانية لقطر

مداد القلم .. الراية 25 أكتوبر 2009
تطرقت السياسة السكانية التي دشنتها اللجنة الدائمة للسكان يوم الثلاثاء الماضي 20 أكتوبر إلى غايات عدة وأهداف منها الحد من مشكلات تأخر سن الزواج لا سيما عند الإناث وتشجيع الزواج بالمطلقات والأرامل، والحد من ارتفاع نسبة الطلاق ومعالجة آثاره.
وكان على سبيل التندر أثناء جلسات النقاش، أيضا طرح بعض الرجال خيار ضرورة تعدد الزوجات كحل لإشكالية تأخر الزواج عند الفتيات وهو الحل الناجع والمداخلة الفريدة التي تجدها قد يدلي بها كل رجل، وان كنا نقر بوجود مسلمات دينية لا تنتظر إدراجها كمداخلات في سياسات سكانية، إذ إنها من الحلول والبدائل المطروحة في الشرع لهذه المعالجة وقد أوردها النص القرآني بصريح اللفظ.
ولكن هناك مواقف في القرآن الكريم والسنة النبوية لم يأت النص عليها صراحة ولكن وردت في القصص والعبر، فقد يغفل عنها المرء ظنا من إنها من قصص الأنبياء في القرآن التي جاءت لإخبارنا بسيرة الرسل، بيد أن تلك القصص الفريدة لم تأت في موقف من مواقفها إلا لتقدم أسلوبا في الحياة للاقتداء والتأسي.
السياسة السكانية في قطر تتحدث عن تأخر الزواج لدى المرأة وربما لحقها اليوم الرجل بإرادته الذاتية،  ولكن هذا التحليل لم يورد معه سردا للأسباب أو وضعا لمعالجات، أو تحليلا دقيقا للطريقة المتعبة حاليا في الزواج كأحد الأسباب، والتي لن نقول إنها لا تماشي العصر الحديث فطرق الزواج التقليدية وغير التقليدية شائعة في كل الثقافات والمجتمعات والأزمنة والعصور ولن يعتريها تغير وان اختلف تعاطيها من مجتمع لآخر.
ولكن يجدر على وجه الخصوص أن نعرج إلى المجتمع التقليدي البحت الذي يجعل المرأة دائما في موقف المنتظر، أو المتفرج دون أن يكون لها أدنى رأي حتى بالتلميح، لن أدلي بالرأي من ذهن قد يظنه المرء يخاطب الحداثة أو يسوغ لغيره من الأمور،  بل سأطرقه من وجهة النظر التي تعطي المرأة حق الاختيار مثلها مثل الرجل خصوصا في الوقت الذي باتت فيه المعايير والأسس عوامل رئيسة في الاختيار لدى المرأة دون املاءات ضرورة أن تكون تحت كنف رجل فحسب لمجرد كونه (ذكرا) رجلا كان أو غير رجل، صلح زوجا أم لم يصلح.
ومن باب آخر اطرحه من وجهة النظر القرآنية التي أعطت المرأة مشروعية الإعجاب المهذب وإبداء رأيها للمقربين بها، وهذا ما وجهتنا به قصة ابنتي نبي الله شعيب، عندما ذهبتا تستبقان إلى الماء ووجدتا نبي الله موسى عليه السلام (من) يعتد بأمانته وقوته وجاء على لسانهما عندما سألهما عن سر تنحيهما عن جدول الماء فقالتا:(لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير).
فقادته أخلاق الرجال تلقائيا إلى أن يسقي لهما ويتولى إلى الظل احتراما.
أخلاق الرجولة والقوة و أمانة إسداء ما تمليه الشهامة دون استغلال لضعف المرأة أو ضعف من يليها ومن ثم الابتعاد بأدب.
فما كان من السيدة صافو راء إلا إن قالت لوالدها تلميحا في جو تسوده المصارحة والشفافية والثقة المتبادلة: »يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين«.
فاستشف منها بسؤال: كيف علمت قوته وأمانته؟ فذكرت بأنه قوي لأنه حمل صخرة كبيرة لا يقدر على حملها أقوى الرجال. و أمين حيث أمرها أن تسير خلفه لا أمامه وتشير له على الطريق بحجر حتى لا تتكشف إمامه إذا ما عبث الهواء بثوبها.
ففهم والدها بلاغتها وعرف مقصدها فبادر للرجل باختبار لشخصيته لتطمئن نفس الوالد على اختيار ابنته: »إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج. فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك«.(القصص: 26 - 27).
ثم كانت الدعوة وبرسم حياء المرأة أيضا وبالقول تلميحا كما ورد هذا الوصف في النص القرآني:
»فجاءته إحداهما تمشي على استحياء، قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا« الحياء مهم، والكناية في اللفظ بما يتناسب وطبيعة المرأة ودعوتها الرجل بناء على موافقة والدها دون تصريح حتى وان كان معروفا لديها مغزاها من جملة (ليجزيك أجر ما سقيت لنا).
في هذه القصة من الحكمة الشيء الكثير، فالدين يربي المرأة على طرح الرأي بثقة حتى في مسألة زواجها وإن وصل الأمر إلى طرحها الشخصية التي تريد الارتباط بها على ولي أمرها شريطة أن تتخذ أساليب التأدب الاجتماعي والديني والمصارحة مع الوالدين، وهذا المصارحة مهمة لتضييق منافذ اللجوء للأساليب الأخرى غير المقبولة اجتماعيا ودينيا.
ولعل قصة زواج السيدة خديجة بالرسول صلى الله علية وسلم، مثال شاهد على أهلية المرأة وأحقيتها في اختيار شريك حياتها بنفسها لمن كانت في عمر السيدة خديجة، وكذلك قصة ابنتي النبي شعيب، وطرح عمر زواج السيدة حفصة رضي الله عنها على الشيخين ثم على رسول الله، أمثلة حية على عدم وجود الغضاضة المجتمعية من طرح الأسرة خطبة ابنتهما على الشريك المناسب سواء كانت بكرا أو ثيبا.
لذلك وفي ظل وضع المرأة المطلوبة لا الطالبة في المجتمع المحافظ، وفي الجانب الآخر وسط هذا العصر وما شهده من مغبة الانفتاح، وأثره على تعثر مسارات الاختيار، خصوصا بالنسبة للمرأة فإن التعهد الوالدي للفتاة ومصادقتها مهم جدا، وفتح الحوار العائلي معها أفضل من ترك مسألة الزواج اليوم:
إما رهنا لمشروعات تقليدية أو ربما ترتيبات عائلية أو صفقات أو مصالح بين أسر، أو ترك الفتاة دائما في موقع المستقبل أو المنتظر لمن قد يهبها أو قد يبتليها به القدر صلح أم لم يصلح على قاعدة من يقول (ظل رجل ولا ظل حيطة).
أو ترك الحبل على الغارب لتخبط ذريع قد يسلم جيل الانفتاح غير الموجه إلى جو من عدم الشفافية يبيع فيه الشباب من الجنسين على أنفسهم الوهم، تقع الفتاة فيه غالبا -لا الرجل- ضحية استغلال باسم الحب، خصوصا في ظل مجتمع يعاقب منافذ حسن الاختيار والمصارحة والشفافية المحمودة بين المرأة ووالديها وأسرتها، ويحمل المرأة تبعات ومسؤوليات غالبا ما يعفى منها الرجل.
مجتمع يعزز أسباب لا تأخر سن الزواج فحسب بل الطلاق أيضا، ويقهر سلامة منافذ طرق وسياسة الزواج.
وباختصار، مجتمع يساهم في إغلاق الأبواب وفتح النوافذ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق