مداد القلم ... الراية 22 فبراير 2009
ألقت الأزمة المالية بظلالها علي مختلف الدول في مختلف قطاعات الحياة لا سيما الكثافة والتركيبة السكانية في الخليج.
مرة ثانية في مجال آخر نشعر أن للأزمات المالية مميزات في تقليل عبء الخليط البشري غير المتجانس، ولعل الأثر بدا واضحا في مدينة دبي حيث غدت يسيرة بعد أن كانت لا تطاق من شدة الازدحام. ، إذ شهدت اكبر عملية تسريح لموظفين منذ بداية الأزمة المالية العالمية في خطوة تأتي تماشياً مع المتغيرات في المناخ الاقتصادي العالمي الراهن، رغم تصريحها بأنه أمر يؤسف له فعلا .
وذلك لا ينطبق فقط علي قطاع العقار فقط بل امتد لقطاعات لتبني استراتيجيات انكماشية في أوقات الركود، و تأخير خطط التوسع والتركيز علي المشروعات الحالية.
وليس التسريح هو السبب الوحيد بل شهدت المدينة نزوحا جماعيا، بل وهروبا من عدد كبير من الموظفين الأجانب فور الأزمة مخلفين وراءهم قروض البنوك الائتمانية لتتكبدها اقتصاديات الإمارة. (التسريح المفاجيء أزمة، والهروب وتداعياته المالية أزمة أكبر).
وهذا ما يستدعي اتخاذ الإدارة الحالية للأزمات الإجراءات اللازمة ووضع هذه التجربة في الحسبان عندما تطغي التنمية الاقتصادية والعمرانية والتطورية علي تقدير قيمة التنمية البشرية خصوصا بين المواطن ، وعدم انتهاج سياسات التوازن في القوة المهنية البشرية وعدم رسم استراتيجيات بعيدة المدي تقدر الأزمات والعواقب بنفس القوة والتوازن التي ترسم بها الرؤي الطموحة، إذا كانت تستعين فقط بالعمالة الخارجية بكل الضمانات الممنوحة والتي تلاشت فجأة وذرتها الرياح هروبا غير محمود أو تسريحا مفاجئا غير مرغوب.
لعل دبي مثال واحد فقط تستطيع أن تلتمس فيه أثر الأزمة المالية السيئ علي اقتصاد البلد ورؤاه المستقبلية ومشاريعه الحالية، والحين فقط علي انسيابية الحركة البشرية وتبعاتها.
في قطر، نعاني في ظل التوسع الاستثماري العقاري، والتطور العمراني والاقتصادي غير المتوازي أيضا مع تنمية القوي العاملة الوطنية، حركة دؤوبا لا تهدأ، أسفرت عن زيادة بشرية و خلل سكاني ، وتفاوت وظيفي ومؤسسي بين القوي البشرية العاملة، وازدحام بشري خانق ، واختناق مروري في كافة الطرقات فضلا عن عدم التجانس في التركيبة السكانية لا في نوعها ولا موطنها ولا جنسها مسببا ارتفاع ملحوظ لنسبة السكان أذكته الهجرة والعمالة الوافدة التي غطت 86% من حجم السكان مع كل ما يصاحب نزوح العمالة العزباء من مشكلات وأمراض اجتماعية أو ظواهر جديدة. ، بحيث لم يعد المواطنون -بمختلف فئاتهم- سوي أقلية في المجتمع بنسبة 14% دون أن تشمل النسبة العاملة منها استراتيجيات التدريب والتنمية المهنية أو حتي التمكين.
ولعل قطر في ظل هذا التسابق العمراني المحموم متزامنا مع الحركة التطويرية للبنية التحتية خلقت مجالا لبروز إرهاصات أزمة قد تطفو إلي السطح متي ما تداعت معها مسببات أخري، ليست بالضرورة اقتصادية بقدر ما يلمس صداها في التنمية البشرية.
لا نعني في ذلك نهج تسريح العمالة ولا نعني الاستغناءات المفاجئة ، بل ضرورة خلق التوازنات. فإن تقدير كل من نسبة السكان وحجم المشاريع عامل رئيس في أي قطر بلا شك في ضرورة الاعتماد علي العمالة الخارجية، وهذا أمر منهجي وعملي ، ولكن في ظل رؤية أيضا عملية وليست طموحة فقط بحيث لا تعدو كونها - شطحات فكرية- ، تنتظر النتائج المادية دون اعتبارات لتخطيط تنموي عماده وقوامه المواطن في وطنه.
تعددت المسميات والقوانين والقرارات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مناحي التنمية البشرية ، وخصوصا تنمية القوي العاملة الوطنية في كل قطر خليجي والنتيجة واحدة. تقدر نسبة العمالة الخليجية الوافدة 70% من قوة العمل الإجمالية في دول المجلس.
ولكن لكي نكون واقعيين ومنطقيين في التحليل:
هل يمكن أن تحل العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة بقرار أو بتوطين مفاجيء؟ بالتأكيد لا لعوامل وأسباب متعددة كما ناقشها مسؤلو التوطين في منتدي خليجي:
." ان تقدير احتياجات سوق العمل الخليجية ينطلق من مؤشرات أسواق العمل في المنطقة وهي متقاربة في سمات عديدة منها القلة النسبية لعدد السكان، وتحقيق معدل نمو سنوي سريع يبلغ نحو 2.3%، وتراجع أعداد المواطنين الخليجيين من بين العدد الكلي للسكان بنسب كبيرة جدا في بعض دول الخليج، ووجود أعداد كبيرة من المواطنين الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً".
ولكن الأزمة المالية فرصة تاريخية لإعادة التوازن لسوق العمل والتي يجب أن تكون ضمن خطط استراتيجية لتأهيل العمالة المحلية وضمان التنوع المهني، ورسم السياسات وتنفيذها عمليا في مسار تدريبي قبل سن قوانين وفرضيات توطين الوظائف ، ناهيك عن ضرورة الاستفادة من تبادل العمالة الخليجية علي صعيد دول الخليج خصوصا بعد اعتماد السوق المشتركة .
هذا ولا بد أن تكون سياسة التدريب والتأهيل والتوطين وتدريب الصفوف الثانية ملزمة في خطط وطنية من قبل جهة متابعة وإشراف رسمية لا وهمية حتي لا يتم الالتفاف عليها.
وأخيرا، التركيبة السكانية والأمن المجتمعي في خطر، والاغتراب السكاني غير المدروس بتشجيع التوظيف الخارجي دون سياسات للإحلال والإبدال سيعرض المجتمع للخطر ليس علي مستوي الحياة فحسب بل وحتي علي اقتصاديات الدولة وثروتها البشرية خصوصا وإن الأذرع الخارجية هدف معظمها شرعية البقاء أو الهروب.
الأزمة المالية درس نتمني أن يستفيد منه الجميع لنأمن في أوطاننا وعلي أوطاننا، إنها سياسات الاستثمار البشري لكل وطن في قواه البشرية. ومن ذا الذي يصمد للوطن في أي أزمة ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق