الخميس، 22 أغسطس 2013

الإعلام الصامد في قلب المعركة

مداد القلم...الراية 18 يناير 2009
بتروا ساقيها، وبابتسامة الصامد هتفت:
"أريد أن أصبح صحفية ، مذيعة أخبار، لأكشف للناس الواقع وحقائق ما يجري هنا"إنها طفلة ، ولكنها تكشف أنه من رحم المعاناة تولد الثورة.
 ليست واحدة ، بل كثيرون مثلها باتوا دون أرجل ، دون أذرع، بل دون أعين فيما تفننت آلة الحرب الإسرائيلية في بتره وحرقه، ولكنها لم تحرق الإرادة ، البصيرة،  الثورة، الصمود، لم تحرق تلك الصورة التي تولدت ليس لدى جيل عربي يرى ويسمع ويشاهد الحرب ويشهد على المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق الإنسانية، بل الصورة التي شهد العالم كله على الانتهاكات الصارخة فيها.
لولا الإعلام لما وصلتنا هذه الصور، ولولا القيمة المهمة التي وجدتها طفلة فلسطينية مبتورة الأرجل والساقين للإعلام الحر والمهنة الصادقة لما تمنت وهي على فراش ينزف ان تمتهنها فيها.
ولولا أهمية وسائل الإعلام في نقل الحدث عن قرب وفضح الجرائم ، لما عتمت اسرائيل الحدث، ولما منعت الإعلام الدولي من تغطية الحرب، ولما انتقت فيمن سمحت لهم مؤخرا بالدخول للتغطية ممن اتهموا بالتحيز لها في التغطية ممثلا في بعض منتسبي الإعلام الإيطالي؟ ولما ضربت مؤخرا برج الجوهرة مستهدفة عددا من قنوات و طاقم وسائل الإعلام؟
وبعد كل ذلك يشن مروجو الفتن بيننا نحن العرب حربا على الإعلام عندما يصدق في نقل الواقع؟
إن هذه الصور الصادقة المعبرة عن حجم مأساة مجازر غزة لم تخترق مهنية الإعلام، أو شعورنا كمشاهدين، بل إن ما شاهدناه على قناة الجزيرة على وجه الخصوص كان حسب قول البعض أخف صور المجزرة التي يندى لها الجبين مما لم نشاهده كمن عاينه عن كثب.
نقل صور همجية الانتهاكات حتمية يفرضها الواقع في الإعلام، تلك التي امتنعت عن أبسط صورها قنوات عربية  كنا قد توقعنا أن تعيد الروح وتبعث نهضة في الأمة ، لا نعني بعثنا في حفز الشعور على اتخاذ موقف بطولي أمام ظلم وعدوان غاشم خرق كل ميثاق فحسب ، بل حتى أملنا في بعث نهضة في الإعلام العربي الذي ظل راكدا خلف الركب يوم تربعت آلة الحرب الأمريكية على عرش الحروب السابقة في كل مكان تتبعها آلة الإعلام الأمريكية وحدها الشاهد المنحاز على الحدث، خصوصا وإن الإعلام الطرف الثالث بل الأول في أي حرب.
كثرة فضائية جندت في مدن إعلامية عربية وبأقمار عربية لامعة ، وبمسميات براقة سمت نفسها إخبارية وأعطت نفسها شعارات محايدة ولكن.............
لكثرة كغثاء السيل وسط أزمة جسيمة على الأمة ، فللأسف انحسرت وسائل الإعلام العربية، فخنُست تراجعا،  كما خنُست مسيساتها قبلها فاقتفت أثرها،  فامتنع عدد منها أولا عن وصف الحرب على غزة  بوصفها الصحيح، أو نقلها كما تلتقطها الصورة بعدستها التي لا تكذبها العيون، أو نقل تقارير حية صادقة عنها  ادعاء بالتزامها المهنية الإعلامية.
 وأي مهنية؟ مهنية عتمت كثير من القنوات الإخبارية العربية فيها على الحرب وجرحها وفرضت انتقائية غير مبررة في تغطيتها لها ، بل وعرضت صورا وتقارير وردية مضللة للواقع الذي يئن مضرجا بالدماء.
لم نجدها إلا نموذجا مستنسخا عن القنوات الغربية المعروفة بتحيزها لإسرائيل أو امريكا بخلاف بسيط بينهم ، في إن جمهور قنوات الغرب مضلل سلفا حينما لا تصله الصور الصادقة أبدا عبر إعلامه المنحاز، ونظرا لرفضه إعلام الرأي الآخر من اختراق موجاته وتردداته، أما الجمهور العربي الأصيل فلا يمكن تضليله مهما بلغ حرص مسيسي قنوات بعضه.
فبم نصف موقف الإعلام العربي الممالئ والمغرد خارج السرب في وقت ينحر فيه المسلمون ظلما وعدوانا على مرأى من العالم المتحضر وبجرائم يشهد عليها العدو قبل الصديق، ما السياسات والمقاييس اللاأخلاقية  التي تحكمها.؟
أي أخلاقيات تلك التي لا تسمي الأشياء بمسمياتها؟  في خطاب يخفف وطأة المحتل بوصفهم : الجنود الإسرائيليين؟ و يخاطب المجاهد عن نفسه وأرضه : بإرهابيي أو مقاتلي حماس؟ ثم يشق الصف العربي إلى حزبين،  أولهم المعتدلون وغيرهم إلى حزب المقاومة  والممانعة ؟ وللممتنعين شرف ممانعة الباطل والظلم والجور الدولي..
خطاب ينزه الإسرائيلي  من تهمة الاحتلال ويبرئه من جرم القتل؟ ويجرد الشهيد من شرف الشهادة المستحقة فيحول جهاد الأرض والدين والنفس إلى مقاومة غير شرعية؟ ويتواطأ مع آلة الإعلام الإسرائيلية والغربية لجعل الدفاع الشرعي عن النفس إرهابا. ويصنف ديننا بالإرهاب؟؟؟ ؟ ويجرد الشعوب العربية الصامدة من شرف النخوة والكرامة؟
أين كانت القنوات الغربية والعربية من أخلاقيات المهنة المزعومة  يوم أن تربعت قناة السي. إن. إن وحدها في ساحة المعركة في حرب الخليج ، وقت اكتسب فيه بيتر آرنت صورة البطل كونه من  ينقل الحدث، وسخرت دول الخليج ترددا خاصا لترى وتشاهد ما يراد لنا أن نشاهده من قبل الخصم والحكم والمسيطر على الآلتين ، الحربية والإعلامية.
كل ذلك ونحن سعداء طبعا بمشهد نترقب فيه انتصارنا الذي تحققه آلة حربية وإعلامية هي حليفتنا الأولى جاءت بالآلتين لنصرتنا على من اجتمعنا عليه وقتها، وأٌكلنا بعده. 
وماذا يحدث عندما يتغير الحلفاء، وتتعارض الأهداف؟
 تتغير الصورة حتما لأن الصورة الإعلامية الخلوقة في نظرهم هي تلك التي سنها دعاة الإعلام الحر بمكيال واحد منحاز ، وصنعوا معاييرها  ظنا منهم أن الساحة في كل حرب ستكون لهم فقط، أما وإن جاء من العرب من قلب مفهوم الصورة ممن تعلم فنون الإعلام ومهاراته، فلا بد ان يعاقب عندما يطبق فنون مدرستهم ليس وفقا لانحيازهم بل وفقا لعدالة التغطية، وفضح جرائم الحرب.
لذلك كثر شهود الإعلام الحر ، شهود المعارك لأن الحلفاء لا يريدون لا ممانعة ولا مقاومة ولا محورا ضدهم بل ولا أعينا شاهدة ممن كفلت لهم المواثيق الدولية حق حفظ الحياة كالصحفيين.
فألغيت شرعية الإعلام ومؤسساته وممتهنيه على مرأى ومسمع من العالم في صورة جريمة تنتهكها إسرائيل ، ولكن بقوة الإعلام نجحت وسائله في نقلها.
فلن يغتال الإعلام الحر ما بقيت الصورة الحرة الصادقة، لأنها لا تنقل حدثا ، بل تخلق جيلا من الثورة على  الظلم والطغيان حتى لو بترت كل أطرافه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق