مداد القلم ...الراية 15 مارس 2009
أصبح حي ترايبيكا في مانهاتن نيويورك مصدراً للتوريد إلى قطر في ظل سعي الدولة إلى تنمية صناعة سينمائية خاصة بها إذ دخلت في شراكة معه Tribeca Film Festival من أجل تنظيم احتفال سينمائي سنوي خاص بالدوحة في شهر نوفمبر القادم.
من خلال هذه الشراكة تهدف قطر على حد قول - هيئة المتاحف- إلى تشجيع الحوار واستخدام الأفلام كوسيلة للدبلوماسية الثقافية، وإلى تشجيع كتابة النصوص واستلهام وتدريب جيل أول من صناع السينما القطريين لإظهار قصص تُظهِر تعددية هذه الثقافة، وستعرض أفلام لجدد ومحترفين حيث ستركز على الجالية القطرية المحلية، والثقافة العربية، وأفلام دولية بالإضافة إلى سلسلة من وُرش العمل لتدريب المبتدئين في صناعة السينما و تقديم سلسلة حوارات الدوحة بين شخصيات عالمية واسعة الشهرة.
ولكن الخلفية التاريخية لتأسيس ترايبيكا جاءت في أعقاب 11 سبتمبر 2001 لإعادة الحياة إلى أحياء ترايبيكا وLower Manhattan في نيويورك التي توجد فيها بقايا المركز التجاري العالمي، ويعتقد مؤسسو مهرجان ترايبيكا، ومنهم روبرت دي نيرو، أن مهرجان الأفلام سوف يستقطب الناس إلى وسط المدينة ويعزز الحوار ويساعد في التئام جراح المجتمع المنكوب. ويأمل ألا يستخدم الفيلم كوسيلة للتسلية فقط في مهرجان افلام ترايبيكا - الدوحة وانما لكي يقوم بدور في سد الفجوات بين الثقافات وتقريبها من بعضها.
ونظرا لكون هذا المهرجان وليد أعقاب انهيار برجي نيويورك وما تبع ذلك من بغية إحياء الحي اليهودي في منهاتن، والتئام الجرح المنكوب، وبعد قراءة متفحصة لما تداولته روزنتال، منتجة أفلام مثل واج ذي دوج - Wag the Dog، وأنالايز ذات - Analyse That، وميت ذي بيرنتس - Meet the Parents ، حيث لم تتوقع أن يصبح مهرجان ترايبيكا السينمائي سفيراً ثقافياً على الصعيد العالمي نظرا لأن المهرجان بدا مبدئياً كحدث لمرة واحدة من أجل المساعدة في شفاء نيويورك، وإعادة الحياة للجوار المدمّر.
لكل ذلك يجدر السؤال ما إذا كانت دولة قطر ستستفيد منه الاستفادة الفعلية أم إن هذا المهرجان سيكون مثله مثل بعض المؤسسات الحديثة المهجنة بالغرب في الدولة التي تأتي بنوايا حسنة من قبل صناع القرار لدينا، وعلى الجانب الآخر بفعل خذلان الشركاء، نظنها حسنه ولكنها تكون مبطنة بمثابة كلمة الحق التي يراد بها الباطل من قبل الأطراف المناوئة - فيها خصوصا وإن مؤسساتها الأصلية في ديارها ترزح تحت الإفلاس أو العوز المادي وثقل الأعباء المالية التي تمثل لها قطر طوق النجاة في ظل الأزمة المالية وفي ظل عصر التنوير الذي تقوده قطر على مختلف الصعد.
ما يدفع للقلق هو ما كشفه المهرجان الأصلي نفسه في نيويورك الاثنين الماضي عن تخفيض حاد في عدد أفلامه المنتجة التي سيعرضها في عام 2009 بسبب الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية. والخوف، أن تدفع تلك الشراكة إلى انتهاج سياسات بنكية أو تمويلية قد تستنزف قطر الكثير باسم الشراكة ولأهداف وأجندات خاصة بالشركاء فقط، وقد تحدث هذه الأمور سرا وعلنا في البروتوكولات، ولن تستطيعوا أن تنفكوا بسلام- ولو حرصتم - فلا تميلوا كل الميل.
ولا بأس أن تدفع موازنات في مجال صناعة السينما العربية وتدريب الأجيال عليها ، فتلك لعمري ولادة جديدة في سوق الإعلام العربي الذي يتوجب عليه أن ينفتح على ريادة استقطاب العالم واحتكار الفكر عبر الفن السينيمائي الذي لا زال بدائيا، ولكن كل ذلك مقبول إذا كان روح المهرجان القطري الترابيكي في صناعة الأفلام سيأتي على إحياء روح قيم ومدن عربية عريقة في تاريخها ومجدها مزقتها الحروب أو آلة الإرهاب الدولي ليس في حي عربي واحد بل في أحياء وأشلاء ممزقة من الشام - لبغداد ومن نجد - إلى يمن إلى مصر - وتطوان، جسدت حضارات عريقة و أشلاء عربية منكوبة وممزقة، لا بأس أن نستقي الحكمة في الصناعة ونوجه هدفها كما طمح مهرجان الدوحة في تصدر هيئة المتاحف لتدريب جيل من صناع السينما، ولكن في كل ذلك يجب أن نحرص على أن يكون دون أن يسيطر على أهدافه أو قيادته أو إدارته الشركاء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
القرار الأميري رقم (3) الصادر بتاريخ 10 فبراير 2009 أقر إنشاء لجنة تسمى (لجنة تنظيم مهرجان الدوحة - ترايبيكا السينمائي) بشخصية معنوية، وكنا نتمنى لو وضعت اللجنة اسم مدينة عربية دمرت بدلا من حي يهودي في مدينة أمريكية تأثرت بتدمير برجين تجاريين فقط لا غير حتى لو كانت شراكة.
فلا ضير من روح الشراكة حتى مع تغيير المسميات، لأن المسمى ذاته يترجم كنه الهدف، وهو هنا في قطر لم يأت حتما من أجل حي ترايبيكا بقدر ما يأتي لتطوير صناعة السينما العربية بخبرات المهرجان الأصلي ومؤسسيه، وهذا ما يحتاج إلى معالجة جادة من قبل اللجنة والتي نتمنى ألا يرأس إدارة مؤسستها أجنبي قد - وكثيراً ما يحدث - يقلب الأهداف رأسا على عقب.
أما التقريب بين الثقافات التي أصبحت دبلوماسية دولية، وهدفاً من أهداف ترايبيكا كما صرح به روبرت دو نيرو، فإننا نعود لننوه أن التسامح عندنا هو الأصل - دون الشركاء الغربيين - وإلا ما وجدت روح من مثل روح هذا المهرجان وغيره من مؤسسات في قطر تعزز الحوار بين الأديان والثقافات، ولكن المتأمل لواقع حالنا العربي يجد أنه على العكس نحن من هو في أشد الحاجة لأن يطوع الإعلام الموجه للغرب، ويبرز عبر الدراما الصورة الحقيقية أمام من قلب الموازين وكرس مصطلحات وصوراً نمطية بدأها الاعلام حتى أضحت أداة الحرب والعدوان مثل ربط الإسلام بالإرهاب. فيجب أن تخدم صناعتنا أهدافنا خصوصا إذا كنا نحن الممولون.
وفي ذلك نؤكد على أننا - نحن العرب بوعي أو دون وعي - خير سوق لتسويق أفلام الغرب ورسالتهم وأهدافهم، وربما نصنع مثلها مجددا أو قد نخدع بشراكتنا باموالنا ولكن بأهدافهم، ولكننا ما زلنا عاجزين عن تحليل إعلامهم الأصلي أو استقطاب الموجه لهم في ديارهم وليس المنتقى في توجيهه لنا.
لذلك فإن الوضع الدبلوماسي الدولي في الإعلام جدير بفتح أفق الإعلام لنرى ما يشاهده - الإسرائيلي والأمريكي أو الأوروبي - مثلا في قنواته الخاصة في أرضه ودياره وليس Middle East Version - من أفلام ومسلسلات عن واقعهم وحالهم ومشكلاتهم، لأن الدراما والمسلسلات المحلية تجسد الواقع المعاش وتنقل اجتماعيا علم اجتماع الشعوب وطرق العيش والمشكلات التي يعانونها ومواطن القوة ومواطن الضعف والخلل المجتمعي، ما يسهل علينا فهم الآخر كليا وليس جزئيا، وليس فقط بالدعوة لاحتوائه فنحن اكثر من يكرم ويحتوي بل لنكن أذكياء أيضا في فهم مداخله وكيفية التعامل معه.
وعليه يجب أن نحسن تطبيق مقولة من تعلم ثقافة قوم أمن مكرهم . فهي أشمل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق