الخميس، 22 أغسطس 2013

(خليجي) أو(كرم) عملة موحدة بين دول مختلفة

مداد القلم ... الراية 14يونيو 2009
عشية توقيع العملة الموحدة لدول الخليج تندرت الرسائل النصية ب :
"يقولون عملة دول مجلس التعاون الموحدة يسمونها "خليجي" ، يعني إذا رحت سوق الغنم وقلت بكم ها "الخروف"؟ يقول لك:  يسوي 800 خليجي، وبكم ها "التيس"؟ يسوي 350 خليجي."
في وطننا العربي غالبا ما يسبق التندر كل مشروع أو مسميات حتي تعتاد عليه الألسن، فقد اعتدنا علي ذلك، بل إن روح الوحدة بين الشعوب التي نجدها في النكتة قلما نجدها في الواقع.
ولكن المتأمل لموضوع الوحدة النقدية الخليجية سيجد أنه رغم أهميته وتطلع الخليج له استكمالا لتحقيق وحدته المنشودة وقوته الاقتصادية إلا إنه لم يكن ذلك المشروع السهل ، بل اكتنفته عدة صعوبات رغم نجاح دول المجلس في عدد من المشروعات الموحدة مثل التنقل بالبطاقة الشخصية والسوق الخليجية المشتركة ومؤخرا توقيع اتفاقية رباعية للأسف وليست كاملة (الخلجنة) للعملة الموحدة لأسباب تبدو غير مقنعة أمام وحدة الهدف، ولعل الانقسام بخروج الإمارات وعمان هما أكبر الصعوبات وما اكتنفته العلاقات بين السعودية والإمارات مؤخرا من توتر في العلاقات أثرت علي عدد من الأمور منها التنقل بالبطاقة الشخصية بين البلدين، وتشديّد إجراءات الدخول  لأراضي المملكة حتي علي المستوي التجاري، أي ان ما كنا نتوقعه مكسبا تسبب الخلاف حوله في خسارة مكاسب أخري للمجلس.
ومن التحديات التي تواجه توحيد العملة والتي نتمني ألا تتحول سببا إلي أزمة سياسية أيضا مثلها مثل مقر المصرف الخليجي المركزي، هو الاتفاق علي اسم جامع مانع لها والذي انتهي إلي المفاضلة بين  (خليجي) (اسم النسب) في اللغة العربية المنسوب إلي الخليج،  و(كرم)  (اسم الصفة) المنسوب إلي وصف أهل العملة المشهود لهم بالكرم.
وبين الاسمين بون شاسع؟ بل شتان بينهما وبين مدلول العملة أو تاريخها العريق؟ خصوصا اسم كرم الذي دخل علي العملة "قسرا" أو "تطفلا"؟؟
وما هما إلا خياران نهائيان فقط بين 14 اسما مقترحا انتهي فريق فني خليجي من حصرهم من أسماء مألوفة مثل درة، وكروة تعني الأجرة، وخليجي، ومهور، وقنطار، وبدر، ونيرة، وريان .
 وأخري مستمدة من عملات قديمة ومكاييل استخدمت خلال قرون مضت في المنطقة مثل قيران، وهي وحدة للوزن والقياس استخدمت في الخليج العربي في القرن الثاني عشر للهجرة خلال فترة الدولة القاجارية، واسم (غازي) وهي عملة قديمة.
حيث سيتم رفع الاسمين للجنة الاتحاد النقدي للاختيار بينهما، أو من أسماء العملات الخليجية المتداولة حاليا رغم أن ملامح مسمي الدرهم تضاءلت بعد انسحاب الإمارات في الوقت النهائي، وملامح مسمي الريال والدينار تعادلت كفتها بعد انسحاب "عمان" في الشوط الأول.
وما دام الخيار بين "خليجي" و "كرم" سيرجح من قبل محافظي مؤسسات النقد الخليجيين، ولأننا لسنا خبراء مال واقتصاد،  بل من الشعوب الخليجية  لنقل المطلعة (تاريخيا وثقافيا) نود هنا ان ندلي بدلونا.
حيث نري ان كفة الدينار هي الأرجح ، ليس من باب أن "الكثرة تغلب الشجاعة" عند العرب اعتمادا علي حسم لمن ستكون الغلبة كمعيار لدولة العملة تنافسيا، ولكن  من باب التطور التاريخي للنقود العربية والعملات في الحضارة الإسلامية وقد كتب فيها المتقدمون مثل  البلاذري في كتابه "فتوح البلدان":
" من أن العرب كانوا يتبايعون بالدنانير علي أنها تبر، ويطلقون عليها العين كما يطلقون علي الدراهم الفضية كلمة الوَرِق." وتطرق لها العلامة  ابن خلدون في مقدمته بتعريفً السكة بأنها الختم علي الدنانير والدراهم. و المؤلف عبدالمجيد  الخريجي في كتاب  الدينار عبر العصور الاسلامية حيث أورد أيضا أيضا لفظ السكة وأهمية الدينار وأنواعه.
ورغم إنه لم  يكن للعرب قبل الإسلام نقود خاصة بهم، فتتم المعاملات ُ بالنقود المتداولة في شبه الجزيرة العربية من الدنانير الرومية من رحلة صيفية إلي الشام والدراهم الحميرية من رحلة شتوية إلي اليمن .
ورغم إن الدينار مشتق من اللفظ اليوناني اللاتيني" دينوريوس أوريس" وتعني (الدينار الذهبي) والدرهم مشتُق من الدْراخمة اليونانية وهو من وحدات  (السِّكة الفضية)، إلا انهما اكتسبا مكانتهما عربيا و قد أقرهما الرسول الكريم محمد (ص) بعد ظهور الإسلام علي ما كانتا عليه، وتعامل بهما.
وهما - إضافة إلي "القنطار"-  العملتان الواردتان في القرآن الكريم حيث ذكرهما تعالي في موضعين مختلفين دليلا علي شهرتهما في التداول:
 ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك  آل عمران: 75
 وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين  يوسف: 20.
كما وردتا في الحديث:
صلي الله عليه و سلم (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض.).
وقد  تم تعريبهما وسكهما فنيا بالنقش والرسم الإسلامي في عهد الخليفة عبدالملك بن مروان.
لعل تلك عجالة تاريخية في هذه الذكري السعيدة الحزينة ترجح كفة الدينار "المسكوك الذهبي" للعصر الإسلامي الذهبي كمسمي ذي ثقل ووزن، وعملته المتداولة في الحاضرات الإسلامية وشبه الجزيرة ، والتي وردت أفضليته ضربا للمثل فيه في موقف آخر القول : "الحمد لله الذي أبدل درهمي بدينار".
 وإننا في ظل هذا المشروع النير للعملة الموحدة المستحسنة الذي سعدنا به،  ليس مفروضا علينا أن نتبع النموذج الأوروبي بحذافيره فنستنسخ مسمي "خليجي" نسخة ثانية عن"اليورو"، فالأفضلية التاريخية لا بد وأن تكون موضع اعتبار دونما تحسس من استمرار اسمها اليوم علي عملة  دولة  خليجية دون أخري، كما إننا حزينون أيضا لأننا نطمح إلي تحقيق الحلم الخليجي الموحد حتي لو تأخر قليلا باتفاق ودونما خلاف وببذل الوساطات الممكنة  لإعادة الدول المنسحبة من العملة بمساع سياسية واقتصادية لوحدتنا، اذ لا يجوز ان تبقي مشروعات وحدة الخليج العربي مصدر قلق وسبب في القطيعة بين الدول ومدعاة إلي خسارة مكتسبات حققناها في اتفاقيات سابقة، أو سببا في التأثير علي حلمنا الخليجي إذا ما امتدت الخلافات إلي اتفاقيات أخري لاحقة مثل الاتفاقيات الأمنية والدفاعية والاقتصادية القادمة.
وأخيرا، ومع الخلافات هل ستعبر "خليجي" - إذا ما اتفق علي اسمها المحافظون المركزيون - عن وحدة؟
اسألوا السياسيين؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق