الأربعاء، 21 أغسطس 2013

طق يا مطر طق .... المطر بين ثقافتين

مداد القلم .. الراية 27 ديسمبر 2009
الأمطار التي حبانا الله بها في إجازة اليوم الوطني، ونهاية الأسبوع الماضي، كانت هبة ونحن نعاني جدب الأرض وشح الأمطار وحرارة الشمس طوال العام.
هنا نفرح ونهلل للمطر بل ونصلي لتأخره اقتداء بالسنة، وهناك في بلدان الشمال يندبون حظهم أن أعياد الميلاد لا تأتي إلا في أجواء شديدة البرودة مع ما يصاحبها من ثلوج وأمطار وعواصف فضلًا عن استمرار المطر طوال العام. وهذا ما يجعل المطر مكروها ومستهجنا لديهم في حين أنه يكون حدثاً فريداً تخرج له قطر عن بكرة أبيها لتجوب البراري والروض وإن كانت صحراء غير يانعة، لتردد بأسلوب عفوي تحت المطر وبلهجة عامية:
يارب ... تزيده وترحم عبيده
يتعجب الآخرون منا، حتى إذا ما جاءتهم انشودته:
طق يا مطر طق، على قطر طق، بيتنا جديد، مرزامنا حديد
أو
طق المطر على قطر والشمس طالعة،
أو يا غيم غيّم عندنا، واربط حصانك عندنا،
ياغيم إرزم إرزم، وخل المرازم ترزم،
يا غيمه هلي، يا غيمه هلي وارعدي، يا غيمه صبّي، صبّي علينا البردي
فسيعجبون لو أتيح ترجمة هذا المعنى لثقافة أخرى خارج ثقافات الصحراء حيث إننا لا نسعد بالمطر فحسب بل نخرج لنلاحق الغيمة أيام الشتاء ليشملنا خيرها، بل تسطر أغانينا الفلكلورية دعوات صادقة للمطر لكي يزيد شارحين فيها كيف أن بيوتنا تتحمل قوته مهما كان معللين له تندراً بجدة بيوتنا المصنوعة من الطين قدما وقوة (مرازيما) الحديدية الفولاذية، كناية عن رغبتنا الجادة في نزول المطر مهما تحملنا من خسائر إذا خانتنا بيوتنا ومرازيمها.
يعجبون لأنهم هم من يناشدون المطر وفي نداء مختلف ويحمل المعني العكسي تماما:
Rain Rain go away
Come to us another day
Little Arthur wants to play
وهم في قرارة أنفسهم لا يريدونه لا لهذا اليوم ولا لغيره لأن ارثر وغيره يريدون أن يلعبوا ويمارسوا حياتهم دون زخ المطر في كل الأيام...
ارثر يريد ان يلعب في جو غير ممطر، أما ابناؤنا فيردون المطر لكي يلعبوا فيه.
وإذا كان الأدب الغربي قد حرك قريحة الشعراء ليطالبوا المطر بالتوقف فإن الأدب العربي قد أغناه جدب المطر فهو حصاد الشوق له، تماما مثلما يبدع الشعراء في المحبوب عند الشوق له.
فالمطر في الحياة لم يكن فقط ليؤثر على سلوك الناس وطبائعهم وتصرفاتهم وحياتهم الاجتماعية وتحركاتهم الميدانية، بل أضحى ثقافة أدبية نقلتها آداب الشعوب وسطرها النثر والشعر، حتى إذا ما سبرنا أغوار الشعر العربي الفصيح والنبطي سنجد الشاعر لدينا دائما ما يدعو للسقيا لدار المحبوب بل ولقبر عزيز أيضاً، بل ويدعو الغيم والسحاب أن يجوب أرضه لما في مكنونها من الخير العميم.
وفي الدعاء بسقيا ديار الحبيب يقول امرؤ القيس:
سقى دار هند حيث شطّت بها النوى
                       احم الذرى داني الرباب ثخينُ
وفي الدعاء بالسقيا في الرثاء،قالت الخنساء وهي ترثي أخاها صخرا:
سقى الاله ضريحاً جن أعظمه
                        وروحه بغزير المزن هطّال
فالشعراء الجاهليون كانوا ينظرون له باكبار وإجلال حتى قال عبيد بن الابرص:
يا مَنْ لبْرْق أَبيتُ الليلَ أَرْقُبُهُ
                     من عارض كبياض الصَّبْح لمَّاح
كما ان العرب في تقديسهم للمطر سمو ابنائهم به مثلما نسمي نحن الخليجيين (مطر) و (مزنه) و (هتان) فهم سموا "المنذر بن ماء السماء" و"غيثا" و"غياثا" لولع العربي بالغيث ومشتقات اسمه وسحائب خيره.
أما الشعر النبطي ، فأشبع هذه المعاني تضمينا بل باتت قصائد المطر ومترادفاته أكثر القصائد المغناة لارتباط المطر وهطوله وتراكم السحاب بصورة الحبيب، حتى اشبع السحابة الأمير خالد الفيصل أشواقه لتبثها في:
يا سحايب سراة أبها تعدي شمال
واستعيري دموعي سيّلي كـل وادي
غطي أرض الحبيّب بالندى والجمـال
مثل ما هـو منـدّي بالمحبـة فـؤادِ
والشاعر الآخر اعطاها كلمات موغله في وصف (اللهجات) كقوله:
السيل يا سدرة الغرمول يسقيك
من مزنة هلت الماء عقربية
هذا غيض من فيض ، ولكن تخيلوا معي كيف ستترجم هذه المعاني إلى آرثر والناطقين بلغته ؟ وكيف سيفهمون على سبيل المثال:
معني سدرة الغرمول أو العقربية ؟ وما معنى أن يكتب الشعراء عن السحب والمطر؟؟
وماذا ستضيف الترجمة للأدب العربي في العالم إذا لم تتصد له الحركات الأدبية والنقدية لترصد معانيه وأهميته وتاريخه والاختلافات فيه بين الثقافات؟
نتمنى أن يكون موضوعه أحد محاور أدبيات "الدوحة عاصمة للثقافة العربية 2010 في ظل هذه المناسبة التي ستحتضنها قطر.
الأدب العربي حافل بجملة من الشعر المغني الذي نطلق عليه لو صحت التسمية (أدب المطر) ونظرا للفرق اللغوي بين كلمة المطر التي تستخدم لمطر (العذاب) وكلمة (الغيث) التي تستخدم لمطر (الرحمة ) نطلق عليه ضمنيا (أدب الغيث) لما فيه من خير على قطر ، قطر الأرض والأدب والذائقة الشعرية والغنائية التي رققت النفوس نداء لمحبوب هطل مؤخرا بعد أن طال غيابه.
ويا رب تزيده وترحم عبيدك.
إضافة:
»الله يا عمري قطر« موضوع المقال »مداد« الماضي، كلمات شعرية صدحت من قلب شاعر محب لقطر الشاعر عبدالله عبدالكريم ، لفت انتباهي ان تعديل الأغنية لم تحمل اسم الشاعر المبدع، والتي نتمنى أن تصدر مقدمتها الغنائية بوضع اسمه عليها تقديرا للشعر وحفظا للحقوق الأدبية للشعراء كونه أول الغيث للأدب الغنائي، وتشجيعا للحركة الشعرية المستقبلية في دولة قطر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق